رفع الفيدرالي الأميركي يوم الأربعاء الماضي أسعار الفائدة 25 نقطة أساس لتستقر عند 4.75 %، وأتبعه البنك المركزي السعودي برفع سعر الفائدة على الريال بنفس النسبة لتصل الفائدة 5.25 % وغالبا ما يكون الفرق نصف نقطة مئوية بين الفائدة على الريال والفائدة على الدولار من أجل المحافظة على استقرار سعر صرف الريال السعودي، ومنذ بدء التشديد النقدي في شهر مارس الماضي زحفت السيولة نحو الودائع الزمنية والادخارية حتى أصبحت مع نهاية العام الماضي الأكثر جذبا للمستثمرين؛ لأن البنوك تعطي عوائد تصل إلى 6 %، وخصوصا البنوك التي عندها شح في السيولة، هذه النسب العالية سحبت السيولة من الاستثمارات عالية المخاطر كالأسهم والعقار لأن بعض المستثمرين يرى أن هذا الوقت ليس مناسبا للدخول في مخاطر الاستثمار نظرا للضبابية التي تسيطر على الاقتصاد العالمي واحتمالية وقوع الركود في أي لحظة، خصوصا أن الودائع الزمنية والادخارية تحقق لهم أرباحا جيدة وتوزيعات منتظمة ومخاطر منخفضة إن لم تكن معدومة، في السابق كان المستثمرون الأفراد لا يحبذون وضع أموالهم في الودائع الزمنية والادخارية بسبب عدم توافقها مع الضوابط الشرعية، ولكن الوضع تغير كثيرا مع تقديم البنوك حلولا متوافقة مع أحكام الشريعة مثل منتج المرابحة الذي يعتبر نسخة مماثلة لمنتج تمويل المرابحة الذي يمنح للعملاء إلا أن البنك هنا هو المقترض والعميل هو المقرض وهذا بلا شك فتح الباب لتدفق السيولة إلى الودائع الزمنية والادخارية، لذلك أظهرت أرقام البنك المركزي السعودي تراجع الودائع تحت الطلب بنحو 32 مليار ريال، وهو أول تراجع لها منذ عام 2016 أما الودائع الزمنية والادخارية فقد نمت بنسبة 32 % بزيادة أكثر من 159 مليار ريال وهذا ارتفاع تاريخي غير مسبوق، وأعتقد أن الارتفاع سوف يستمر طالما "الفيدرالي" مستمر في تشديد السياسة النقدية، خطورة الاستثمار في الودائع الزمنية والادخارية أنها قد تؤدي إلى ركود اقتصادي لأن تجميد الأموال يشل الحركة الاقتصادية، فالمستثمرون فقط هم المستفيدون من العوائد التي تصرف لهم، وربما يعيدون استثمار التوزيعات النقدية مرة أخرى في ذات الوعاء، وهذا يترتب عليه دفع تكاليف إضافية من البنوك لهذه الودائع وتمرير التكاليف المرتفعة على أسعار التمويل وغالبا يرتفع تعثر الشركات عند سداد القروض عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة، وقد تصل إلى عجز عن السداد، وهذا بلا شك له آثار سلبية على مخصصات خسائر الائتمان، وقد تؤدي إلى تشدد البنوك في منح الائتمان للشركات ما قد يتسبب في تراجع نمو الإقراض في القطاع البنكي، أما إذا تزامن الركود مع التضخم فهذا له آثار أكثر سوءا، الاقتصاد السعودي قد يكون من أقل الاقتصادات تأثرا بالوضع الحالي؛ لأن النمو -ولله الحمد- جيد، فالناتج المحلي نما العام الماضي بنسبة 8.7 % أعلى من المقدر في البيان التمهيدي لميزانية عام 2023 وإن كانت هذه قراءة سريعة إلا أنني أعتقد أن القراءة الفعلية إن لم تكن أعلى فلن تتراجع عن هذا الرقم، المشكلة فقط التي نخشاها في عام 2023 هو عدم السيطرة على مستويات التضخم وخصوصا الناجم عن ارتفاع تكاليف السكن والتي سبق الإشارة إليها في تقارير الرياض الاقتصادية السابقة، الودائع المصرفية تحت الطلب رغم تراجعها العام الماضي مقابل الارتفاع في الودائع الزمنية والادخارية، إلا أنها ما زالت تشكل نسبة 51 % من إجمالي الودائع المصرفية وهذه النسبة هي الأعلى عالميا ما يميز البنوك السعودية عن قريناتها ويجعلها من أكثر البنوك تحقيقا للأرباح إلا هذا التميز وتخلي الكثير من المودعين عن أرباح الودائع يجعل البنوك أمام مسؤولية تجاه المجتمع بخفض أسعار الفائدة في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة من أجل تحفيز الاقتصاد على مواصلة النمو وخفض الضغط عن الشركات الصغيرة والمتوسطة لضمان نمو أرباحها واستمراريتها وفتح المزيد من الفرص الوظيفية للمواطنين. الاقتصاد السعودي -بحول الله- سوف يواصل النمو، وإن كان بوتيرة أقل من العام الماضي إلا أن هذا النمو سوف يكون مدعوما بالإنفاق على المشاريع الكبرى والاستراتيجية والتي تتسارع خطى الحكومة للانتهاء منها قبل 2030 وهي التي تعول عليها في خفض الاعتماد على الإيرادات النفطية ورفع الناتج المحلي من القطاع الخاص، ما قد يحسن من دخل الفرد ويولد وظائف ذات جودة عالية للمواطنين.