دعا مجلس الأمن الدولي في قرار إلى وقف "فوري" لهجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر، مطالباً كذلك كلّ الدول باحترام حظر الأسلحة المفروض على هؤلاء المتمردين. والقرار الذي صاغته الولايات المتّحدة واليابان واعتمده المجلس بأغلبية 11 عضواً وامتناع أربعة أعضاء عن التصويت (روسيا والصين والجزائر وموزمبيق) "يدين بأشد العبارات الهجمات التي لا تقلّ عن 24 والتي استهدفت سفناً تجارية منذ 19 نوفمبر 2023"، تاريخ استيلاء الحوثيين على السفينة "غالاكسي ليدر" واحتجاز أفراد طاقمها البالغ عددهم 25 شخصاً رهائن. ويطالب القرار "بأن يضع الحوثيون فوراً حدّاً" للهجمات "التي تعرقل التجارة الدولية وتقوّض حقوق وحريات الملاحة وكذلك السلم والأمن في المنطقة". وشدّد المجلس في قراره على احترام القانون الدولي، مشيراً إلى أنّه "أخذ علماً" بحقّ الدول الأعضاء في الدفاع عن السفن ضدّ الهجمات. ويستهدف الحوثيون سفناً تجارية، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، ويزعمون إنّهم يشنّون هذه الهجمات تضامنًا مع قطاع غزة. وتهدّد هذه الهجمات الملاحة في الممرّ المائي الذي يُنقل من خلاله حوالي 12 بالمئة من التجارة العالمية. ودفع هذا الوضع الولاياتالمتحدة في ديسمبر إلى تشكيل تحالف بحري دولي بقيادتها، يسيّر دوريات في البحر الأحمر لحماية حركة الملاحة البحرية من هجمات الحوثيين. خبراء: خيارات الغرب لصدّ الهجمات محدودة ويشير القرار الذي اعتمده مجلس الأمن إلى الانتهاكات "الواسعة النطاق" لحظر الأسلحة المفروض على الحوثيين، ويذكّر من ناحية أخرى بضرورة "احترام" جميع الدول الأعضاء "التزاماتها" في هذا الصدد و"يدين توفير أسلحة" للحوثيين. وأكّد أحدث تقرير صدر في نوفمبر عن خبراء تابعين لمجلس الأمن الدولي مكلّفين مراقبة حظر الأسلحة أنّ الحوثيين "يعزّزون بشكل كبير قدراتهم العسكرية البرية والبحرية، بما في ذلك الغواصات، فضلاً عن ترسانتهم من الصواريخ والمسيّرات، في انتهاك للحظر المفروض". ويدعو مشروع القرار أخيراً إلى "معالجة جذور" الوضع "بما في ذلك الصراعات التي تساهم في التوترات الإقليمية". وأرادت روسيا، التي اقترحت ثلاثة تعديلات لمشروع القرار تمّ رفضها جميعها، أن تضيف على وجه التحديد أنّ من بين العوامل التي تساهم في التوترات "الصراع في قطاع غزة". وعلّقت السفيرة الأميركية ليندا توماس-غرينفيلد بأنّ ربط هجمات الحوثيين بالوضع في غزة "من شأنه أن يشجع الحوثيين ويخلق سابقة خطيرة في المجلس من خلال إضفاء الشرعية على هذه الانتهاكات للقانون الدولي". وكان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قال في وقت سابق الأربعاء "ما زلنا نشعر بقلق بالغ بشأن الوضع في البحر الأحمر، ليس فقط بسبب الوضع نفسه والمخاطر التي تهدد التجارة العالمية والبيئة والناس، ولكن أيضًا بسبب مخاطر تصعيد الصراع على نطاق أوسع في الشرق الأوسط". إلى ذلك حذّر خبير في مجال النقل البحري الأربعاء من أنّ حركة سفن الحاويات في البحر الأحمر تراجعت بنسبة 70 بالمئة تقريباً منذ منتصف نوفمبر بسبب هجمات المتمرّدين الحوثيين على بواخر الشحن في هذه المنطقة. وقال عامي دانيال، مؤسّس ورئيس شركة "ويندوورد" التي تقدّم خدمات استشارية في مجال النقل البحري إنّ "بياناتنا تُظهر أنّه منذ الهجوم على غالاكسي ليدر - السفينة التي استولى عليها المتمرّدون الحوثيون في اليمن في 19 نوفمبر وما زالوا يحتجزون أفراد طاقمها البالغ عددهم 25 شخصاً رهائن - تضاعف ثلاث مرات عدد سفن الدحرجة (المتخصصة بنقل السيارات) التي تستخدم طريق رأس الرجاء الصالح" الواقع في أقصى جنوب قارة إفريقيا. وغالاكسي ليدر كانت بدورها سفينة دحرجة مملوكة لشركة بريطانية. وأضاف دانيال "لقد هبط عبور سفن الدحرجة في البحر الأحمر بنسبة 90 بالمئة. هي لم تعد تمرّ في هذه المنطقة". أما في ما يتعلّق بالسفن الناقلة للبضائع الصبّ الجافّة (البضائع غير المعبّأة مثل الحبوب والاسمنت والفحم...) فانخفض عددها في البحر الأحمر بنسبة 15 بالمئة منذ بدأ الحوثيون هجماتهم. وحدها ناقلات النفط لا تزال تستخدم قناة السويس بنفس الوتيرة التي كانت عليها قبل بدء الهجمات، وفقاً لدانيال، رجل الأعمال الذي تستخدم شركته الذكاء الاصطناعي وتجميع البيانات لتقديم المشورة للمتخصصين بالنقل البحري. ويقول دانيال إنّ الوضع الراهن "سيؤدّي إلى مشكلة في سلسلة التوريد في السنوات المقبلة لأنّ معالجة هذا الأمر ستستغرق بعض الوقت". ويضيف "نحن لسنا بمستوى كوفيد، لكنّنا لسنا بعيدين عنه من حيث التداعيات على سلسلة التوريد". وأسقطت القوات الأميركية والبريطانية الثلاثاء أكثر من 20 طائرة مسيرة وصاروخاً فوق البحر الأحمر أطلقها الحوثيون، في ما وصفته لندن بأنّه "أكبر هجوم" ينفذّه المتمرّدون منذ بدء حرب غزة. وأتى هذا الهجوم بعد أسبوع من تحذير وجّهته للحوثيين 12 دولة بقيادة الولاياتالمتحدة من أنهم سيواجهون عواقب إذا لم يوقفوا استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر، أحد أهمّ الممرات المائية للتجارة العالمية. وخلال الأسابيع الماضية، شنّ الحوثيون أكثر من 25 عملية استهداف لسفن تجارية ، قرب مضيق باب المندب الاستراتيجي عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر. ومع تصاعد التوتر على طريق الشحن البحري الأسرع والأقلّ كلفة بين آسيا وأوروبا، تبدو خيارات الغرب للردّ على هجمات المتمردين الحوثيين في البحر الأحمر، محدودة، وفق خبراء يؤكدون أن خيارًا عسكريًا ضد الحوثيين قد لا يُفضي إلى النتائج المرجوّة. ويعتبر الأستاذ المشارك في جامعة أوتاوا الكندية للشؤون العامة والدولية توماس جونو أن التحالف البحري "أفضل الخيارات السيئة في هذه المرحلة". وحذّرت 12 دولة على رأسها الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضي الحوثيين من "عواقب" لم تحدّد طبيعتها. ووصف مسؤول أميركي كبير التحذير بأنه الأخير. وأكدت بريطانيا استعدادها لاتخاذ "إجراءات مباشرة" ضد الحوثيين. وفتح تشديد اللهجة حيال الحوثيين المجال أمام تكهّنات بإمكانية شنّ ضربات ضدّهم. إلا أنّ الباحث فايرستاين، وهو سفير أميركي سابق لدى اليمن، يرى أن "عمليات عسكرية هجومية في اليمن ستؤدي إلى نتائج عكسية". أما عن إمكانية شنّ ضربات واسعة النطاق، فيرى جونو أن "من شأنها أن تسبب ضررًا أكبر لكنّها قد تُغرق الولاياتالمتحدة في صراع جديد مكلف". ويرى الباحث اليمني غير المقيم في معهد "تشاتام هاوس" فارع المسلمي أن ضربة عسكرية على الحوثيين لن تكون "مجدية"، مشيرًا إلى أن "اليمن ضخمٌ جغرافيًا" والحوثيين يتمتعون ب"قدرات عسكرية قوية نوعًا ما". من جهة أخرى قال قائد كبير بالبحرية الفرنسية إن القدرات الفرنسية الحالية في منطقة البحر الأحمر "كافية"، مضيفا أن القوات البحرية الفرنسية ترافق السفن التي تحمل مصالح فرنسية وتبحر في المنطقة التي تستهدفها جماعة الحوثي. وأضاف أن فرنسا تتعاون بشكل وثيق مع العملية التي تقودها الولاياتالمتحدة في البحر الأحمر لكن تحركاتها تظل بالكامل تحت القيادة الفرنسية. وقال القائد إن 80 بالمئة من حركة الملاحة لا تزال تمر عبر مضيق باب المندب بين اليمن وجيبوتي بفضل الجهود العسكرية الدولية.