يتبادر إلى ذهن الكثير من الناس العديد من المخاوف حيال السماع بظهور متحورات جديدة من فايروس كورونا المستحدث (كوفيد 19). فهل المتحور الجديد (جي إن 1) يستحق تلك المخاوف؟ تشير دراسات منظمة الصحة العالمية أن المتحور الجديد (جي إن 1) ما هو إلا عبارة عن تطور جيني طفيف للمتحور السابق أوميكرون، والذي بدأ في الظهور في العام 2021 ثم استمر بالتلاشي ولم يعد ضمن المتحورات الجديدة في وقتنا الحالي. إن المتابع لمتحورات الفايروس يجد أن المتحور الجديد (جي إن 1) سبقه ظهور العديد من المتحورات مثل المتحور (اتش في 1) والذي ظهر في مطلع الشهر الحالي الحالي ليكون المسؤول عن 29 % من الإصابات المسجلة في الولاياتالمتحدةالامريكية وفق بيانات المركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها لكن سرعان ما تلاشى وبدأ المتحور الجديد (جي إن 1) بالظهور على الساحة ليجذب الاهتمام حيث تم تصنيفه مؤخراً من قبل منظمة الصحة العالمية ب(المتحور ذات الأهمية) والذي سجل لأول مرة في شهر سبتمبر من العام الحالي ليكون في البداية مسؤولاً عن 3.5 % من الإصابات لترتفع معدل الإصابات بعدها لتصل ل21 % في شهر ديسمبر الحالي وفق ما أشارت إليه البيانات الصادرة عن المركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها. يعتبر فايروس كورونا وبالأخص المتحور أوميكرون وما نتج عنه من متحورات مستجدة من أهم الفيروسات التي تعمل بشكل حثيث لإحداث التغيرات الجينية في تركيب البروتين الشوكي والمعروف بACE2 والذي يمكن الفايروس من الارتباط بالخلايا والدخول إليها وذلك بهدف مراوغة الجهاز المناعي حيث أشارت الدراسة المنشورة مؤخراً في مجلة بايوركسيف (bioRexiv) أن المتحور الجديد (جي إن 1) قد يكون أكثر قدرة على مراوغة الجهاز المناعي أكثر مما سبق وفق النتائج المبدئية للدراسة. إن الجهاز المناعي في جسم الإنسان يشكل حاجز الحماية من الفيروسات حيث يمتلك الوسائل للتعرف والتغلب على الأجسام الغريبة فور دخولها للجسم من خلال تنشيط المناعة البدائية (خط الدفاع الأول) أو بعد ظهور الأعراض الناتجة من استحثاث المناعة التكيفية (خط الدفاع الثاني) ليرسم بذلك نهاية الفايروس ووجوده بالجسم. مما لا شك فيه أن لقاحات فايروس كورونا بكافة تحديثاتها تعد عاملاً مهماً لتحفيز الاستجابة المناعية حيث تعتبر بمثابة "ورش العمل تدريب الجهاز المناعي" لتكوين ذاكرة مناعية تتمكن من مقاومة الفايروس الحقيقي فور تعرض الجسم للإصابة به وذلك من خلال دعم إنتاج الأجسام المضادة المتخصصة (بروتينات تنتج بواسطة خلايا المناعة البائية) بالإضافة إلى تحفيز تكوين الذاكرة المناعية طويلة الأمد بدعم تكوين الخلايا المناعية التائية. مؤخراً، أشارت بيانات هيئة الصحة العامة السعودية (وقاية) إلى رصد سرعة انتشار المتحور (جي إن 1) بنسبة وصلت إلى 36 % وهذا أمر طبيعي لا يدعو للقلق كون المتحور الجديد في بدايته يكون في أعلى نشاطيته للانتشار لعدم تمكن الجهاز المناعي من التعرف على التغير الجيني المستحدث في المتحور الجديد، لكن سرعان ما يبدأ هذا المتحور بالتلاشي ثم الانحسار فور تكَون المناعة المتخصصة له، وذلك يعود لفعالية اللقاحات السابقة في تكوين الذاكرة المناعية القادرة على التعرف على أجزاء الفايروس التي لم يشملها التغير الجيني مما يفسر انخفاض حدة الأعراض المصاحبة للعدوى وبالتالي عدم زيادة الحالات الحرجة التي تستدعي التنويم أو الدخول للعناية المركزة. * أستاذ علم المناعة المساعد كلية العلوم - جامعة الملك سعود