ثبت البنك الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة للمرة الثالثة، وكان الفيدرالي قد سارع برفع معدلات الفائدة بدءا من عام 2022 حتى عام 2023 في سبيل كبح التضخم العالمي الذي سيطر على العالم في أعقاب جائحة كورونا والتي بدأت ببداية 2020 أو نهاية 2019 حتى نهاية 2021 في معظم دول العالم، والعالم لم يمر بأزمة منفردة وهي كورونا فقط، بل دخل العالم في أزمة أخرى كبرى وهي الأزمة الروسية الأوكرانية والتي بدأت في فبراير 2022 حتى اليوم، وكان لها دور كبير في استمرار وارتفاع التضخم العالمي، وكانت نسب التضخم خاصة في الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية قد لامست أو تجاوزت مستويات 10% لأول مره منذ عقود، ولكن اليوم بعد سلسلة رفع الفائدة التي قام بها الفيدرالي حتى وصلت لمستويات 5.25 و 5.50% وكل عملة ربطت بالدولار أيضا، ومع وصول نسب الفائدة إلى هذه المستويات بدأ التضخم يتراجع بصورة ملموسة، وأصبح في الولاياتالمتحدة اليوم يلامس 3.1% في نوفمبر الماضي، وكان أعلى مستوى وصل له 9,1% في يونيو 2022، ولازال يؤكد رئيس الفيدرالي "بأول" أن التضخم انخفض هذا صحيح ولكن لازال مرتفعا برأيه، ولا بد من الانتظار والتحفظ من أي عملية خفض للفائدة حتى لا يكون هناك عودة قد تكون أكثر ضرراً وقسوة على الاقتصاد، وبيوت المالية تتوقع بداية الخفض من منتصف عام 2024، وأكد الفيدرالي تقديراته، بأن الخفض سيكون العام المقبل لثلاث مرات، وعام 2025، 4 مرات، وأخيرا 2026 حتى يكون وصل للمستهدف وهو 2%. المفارقة أن الاقتصاديات العالمية اليوم، تبحث عن نمو اقتصادي ومستوى تضخم منخفض وفائدة منخفضة، وقد هذا لا يستوي باعتبار أن القاعدة التي تقول "لا نمو اقتصادي بدون تضخم" ولكن هذه المرة أخذ التضخم فترة زمنية أطول باعتبار أن الأزمات لا تستمر ما يتجاوز السنتين حتى تبدأ العودة للاقتصاديات بالنمو كما حدث في 2008، وهي أزمة تختلف عن اليوم باعتبار 2008 كانت الأثر الأكثر تضرراً هي الولاياتالمتحدة ولم تكن ذات شمول عالمي ثابت ومستقر لفترة زمنية، فتأثيراتها كانت موجودة ولكن ليس كما هو اليوم. وقد تنفست الأسواق المالية مع نية بداية الخفض في 2024 ووصل الداو الأمريكي لمستوى قياسي تجاوز به 37 ألف نقطة لأول مرة، والقراءة اليوم أن لاقتصاد العالمي "تغير" وهذا واقع خاصة أن الصين اليوم ليست الصين الأمس، فقد كانت تتصدر مستويات النمو بما لا يقل عن 8% لسنوات طويلة، ولكن اليوم تراوح بين 4% و 5% وتوقعات العام القادم والذي يليه ممكن تصبح أقل، لأسباب عديدة منها ضعف القطاع العقاري والمديونيات، ضعف الطلب العالمي على الواردات الصينية، مستويات الديون، تقلبات ثقة المستهلكين. وهذا يحتاج إلى دعم حكومي كبير لتسويات هذه العوائق وعودة قوة النمو الاقتصادي العالمي، العالم يحتاج إلى نمو الطلب الحقيقي ورفع مستوى الاستهلاك، لكي يدفع بالاقتصاديات للنمو، مع ضبط الإقراض للدول النامية وخفض الفائدة عليها فهي تصل لمستويات سداد الفائدة على الدين بأرقام كبيرة، والحاجة إلى الاستقرار العالمي والعمل على الإنتاج والمزيد من الإنتاج لكبح التضخم أكبر من أي وقت مضى، حتى لا تعود مستويات التضخم والتي تؤدي في النهاية إلى الركود مع كل رفع للفائدة.