لا يمكن للتاريخ الحديث أن يغفل أو يمرّ مروراً عابراً على مواقف المملكة وأدوارها التاريخية المشهودة تجاه الصراع، والتوتّرات، وكل قضايا العالم على امتداده، وما يعصف به من مشكلات وفقر وحروب وتحديات شتى، لا يمكن للتاريخ الحديث أن لا يذكر تلك المواقف والأدوار ويسجّلها بمداد من فخر في ذاكرته وفي سجلّاته باعتبار أنّ التاريخ حَكَمٌ عادلٌ ومنصِفٌ يدوّن في إضباراته مواقف العطاء والعدل ونزاهة المواقف. ولعله قَدَرُ المملكة أن تنهض بأدوار تاريخية وإنسانية ينوء بحملها غيرها، فهي الشريك الموثوق للجميع، وهي المنطلقة في تعاطيها مع كل الأحداث بضمير نقيّ، مواقف لا يشوبها اهتزاز أو تراخٍ أو تغليب مصلحة أيّاً كانت، فالنظرة الإنسانية الشمولية هي مُنطَلقها ومبدؤها الثابت الذي لا يُداوِر ولا يناور ولا يخضع لإملاءات أو تحيزات تحت أي ظرف. من هنا نجد الثبات القيمي، والثبات المواقفي التعاملي الراسخ. من يقرأ التاريخ بإنصاف وتجرُّد يدرك تماماً لماذا المملكة الدولة المحورية الأكثر قبولاً وموثوقية. إنها مبادئ القيم، ورسوخ المواقف، ونزاهة الضمير، ووثاقة التواصل والتسامح والعطاء والأثرة وحب الخير للجميع. بالأمس طالعنا بياناً لوزارة الخارجية أشار إلى ترحيب المملكة العربية السعودية باتفاق الهدنة الإنسانية وتثمين الجهود القطرية والمصرية والأميركية، كما تضمن تجديد الدعوة للوقف الشامل للعمليات العسكرية ضد المدنيين وإغاثتهم وتحرير الأسرى، وهو موقف يحمل في تضاعيفه الثبات على موقف المملكة من هذا العدوان وعدم القبول بغير ما يمليه الحق والعدل. كما أن كلمة المملكة في القمة الافتراضية لقادة دول مجموعة العشرين التي ألقاها وزير المالية الأستاذ محمد الجدعان أشارت إلى التأكيد على فداحة العدوان وضرورة إيقافه فوراً، لافتة إلى ما يشهده العالم اليوم من عنف وتصعيد في غزة، وأنه يخالف القوانين الدولية، وأكدت الكلمة أيضاً على أنه توجد كارثة إنسانية سيذكرها التاريخ اتضحت فيها ازدواجية المعايير، وانتقائية الالتزام بالقوانين والقرارات الأممية، وهو ما جعل المملكة تجدد رفضها القاطع لاستهداف المدنيين، والبنى التحتية والمرافق السكنية والطبية وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وكذلك تجديد المطالبة بحقن الدماء، ووقف العمليات العسكرية بشكل فوري والدعوة إلى تمكين الوصول العاجل والآمن للمواد الإغاثية والطبية إلى سكان غزة. ما يجب التأكيد عليه أن المملكة بمواقفها وثباتها ورسوخ قدمها في العمل السياسي والإنساني تظل أكبر من كل محاولات التقليل أو الشيطنة لجهودها، أو محاولة عشو وتعتيم الرؤية على جهودها، فهي من الرحابة والوضوح والسموق ما يجعل شائنها وحاسدها والمضمر ضغينة لمواقفها، كناطح صخرة يوماً ليوهنها؛ فلم يضرها وأوهى قرْنَهُ الوعلُ.