المملكة اعتادت عبر التاريخ أن تقدم المساعدات وتحامي عن القضية في المحافل الدولية وتقدم الأموال والدعم الدبلوماسي؛ ولكن الواقع الشعبي يفاجئنا بالهجوم والانتقاد المستمر؛ مع أن موقف السعودية هو الموقف الوحيد الذي لم يتغير وظل صامداً في منهجيته وأسلوبه مدافعاً عن القضية وطارحاً الحلول الجذرية التي لو طبقت لسمحت لفلسطين بالعيش في استقرار.. لنبدأ بهذا السؤال: هل الحرب هي المخرج الوحيد المتاح للتعامل مع هذه القضية الشائكة؟ إذا كانت الإجابة بنعم فلنغلق القضية وليستمر القتل والدمار وليتحمل الشعب الفلسطيني أنهار الدماء ومشاهد التدمير، ولكن إذا كان هناك من فرصة لسماع موقف آخر فإن المنطقة وخلف هذا الصراع خاضت الكثير من الحروب، وإذا لم يكن هناك تغيرات جذرية في الرؤية الإسرائيلية والغربية لمستقبل هذه القضية، فإن هذا الصراع سيكون أكثر استدامة وأقسى في تأثيره، ولن تكون الاحتمالات القائمة للتوسط والحل سوى خيارات قاسية وأكثر تطرفاً من جانب إسرائيل التي تثبت بشكل مستمر أن وجودها دائماً ما كان مرصعاً بالنتائج الشائكة البعيدة عن البحث عن الحلول. الإجابة على سؤال حتمية الحرب بين الطرفين تنقلنا إلى شكل الصراع وخلفياته التاريخية، طبيعة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي طبيعة شرسة عندما تكون المواجهة هي الحل المتاح أمام الطرفين، وفي كل مرة يشتبك الطرفان تذهب القضية إلى نقطة اللاعودة ونبدأ من جديد بترميم الصورة الناتجة عن هذه المواجهة، مع أن الخسائر كبيرة إلا أن الواقع العاطفي والشعبي ينسينا النتائج المهمة وماذا حدث لأن القتل والتدمير يتحولان إعصاراً سياسياً وعاطفياً وشعبياً يتحكم في اتجاهات القضية الفلسطينية، حيث تختلط الأوراق، فهل المطلوب إنقاذ الإنسان أم الأرض أم كلاهما بعد ما يقارب من ثمانية عقود من الوجود الإسرائيلي؟ واقع القضية الفلسطينية ليس ذلك النموذج التقليدي القائم على فكرة واحدة تعتمد المواجهة كحل، لقد أثبت التاريخ أن القضية اليوم بحاجة إلى نموذج حل مختلف، فحتى فكرة المقاومة تاريخياً يستحيل تطبيقها على هذه الأرض لاختلاف المعطيات السياسية الدولية والواقع الإيديولوجي، فالتطورات الإقليمية والأزمات التي مر بها العالم العربي من بعد العام 2010م، كانت حالة مؤثرة ليس على القضية الفلسطينية فقط ولكنها حالة تأثير على المنطقة برمتها ومشروعات أمنها القومي، هذا الظرف التاريخي هو من سمح بتكثيف التدخلات من جانب دول وأحزاب ليست طرفاً في القضية إنما هي مستثمر سياسي أجنبي مع إدراك هؤلاء المستثمرين أنهم يعيشون في وضع لن يسمح لهم بتقديم أي دعم ذي مغزى للقضية سوى الشعارات. الحقيقة أن الانقسام داخل فلسطين والانقسام بين الضفة والقطاع أنتجا مفهوماً مستحدثاً على القضية وجلبا أطرافاً بعيدة عن القضية ساهما في تعريض المدنيين للكثير من مشاهد الانتقام والقتل وخلق منافسة شرسة تقوم على انقسام يعتمد دعم طرف على حساب طرف آخر، خلال ما يقارب من عقدين من الزمان، وهو عمر انفصال غزة عن الضفة تعرضت غزة إلى الكثير من المواجهات التي لم تحقق أي شكل من الإنجازات لصالح القضية الفلسطينية. نحن أمام أسئلة مهمة حول مستقبل هذه القضية وضرورة تصحيح مسارها لصالح الحلول السياسية، تجاوز المرحلة الحالية قضية وجودية، فقد أصبحت القضية كبركان يثور استجابة لكل حالة سياسية في المنطقة، هناك من يستثمر في هذه القضية ممن لا ينتمون إليها من بعيد أو قريب من أجل الكسب السياسي على حساب شعب فلسطيني ومدنيين لا حول لهم ولا قوة، وعندما يتم الرهان على هؤلاء المستثمرين يختفون من المشهد. فهم القضية الفلسطينية يتعرض لارتباك شديد ويعاني من فجوة كبيرة استطاعت قوى مستفيدة خارج القضية الولوج إليها واستثمارها لصالح أهدافها، وهذا ما ساهم في تغير جذري في هوية القضية الفلسطينية، حيث أصبح تأييد القضية يعاني من طابع إقصائي متناحر، فمثلاً المملكة العربية السعودية اعتادت عبر التاريخ أن تقدم المساعدات وتحامي عن القضية في المحافل الدولية وتقدم الأموال والدعم الدبلوماسي؛ ولكن الواقع الشعبي يفاجئنا بالهجوم والانتقاد المستمر مع أن موقف السعودية هو الموقف الوحيد الذي لم يتغير وظل صامدًا في منهجيته وأسلوبه مدافعاً عن القضية وطارحاً الحلول الجذرية التي لو طبقت لسمحت لفلسطين بالعيش في استقرار. هذا الارتباك الشعبي العربي أمام ما يحدث في فلسطين وخلط الأوراق إنما هو أحد الاستثمارات السلبية التي سوف تؤدي في النهاية إلى فقدان الحق الفلسطيني، وهذا يتطلب إعادة التأكيد على هوية القضية الفلسطينية من خلال الدول الراسخة في موقفها والتي تدرك أن حل الدولتين هو الحل العربي الأكثر سلامة لقضية تدخل عقدها الثامن دون تحقيق أي تقدم، بل على العكس فإن الفقد في مقابل الإنجازات مخيف جداً، إن دفع الجمهور العربي لتبني حقائق متعالية وغير منطقية فيما يخص القضية لن يكون ذا فائدة إيجابية، فالقضية بحاجة إلى طرح الحلول المتوافقة مع التوقعات العقلانية، فالمنطقة بحاجة إلى الاستقرار وإلا فالخيار المتاح هو عدم الاستقرار وتكثيف الصراع وخلق مستهلكين جدد لأزمات المنطقة وقضاياها.