ستون عاماً مضت منذ إعلان قيام الكيان الصهيوني وهزيمة الجيوش العربية عام 1948، التي دخلت حرباً عشوائية لم تكن مستعدة لها، وانتهت إلى توقيع اتفاقات هدنة بترتيب من الأممالمتحدة بين إسرائيل وكل من مصر ولبنان والأردن وسورية، وسيطر بفعل هذه الحرب الصهاينة على أكثر من 70 في المئة من أراضي فلسطين، ولم يبق من فلسطين في أعقاب هذه الحرب إلا قطاع غزة الذي خضع للإدارة المصرية، والضفة الغربية التي خضعت للإدارة الأردنية، وأُجبر الشعب العربي الفلسطيني الأصيل على مغادرة أرضه وعاش لاجئاً في مخيمات منتشرة في الضفة وغزة وفي بعض الدول العربية، خصوصاً المجاورة لفلسطين، ثم توالت الحروب 1956، أو حرب العدوان الثلاثي الشهيرة، واحتلت معها إسرائيل أراضي فلسطينية وعربية، ثم انسحبت منها بسبب مقاومة شعبية وضغوط دولية وقرارات الأممالمتحدة الداعمة للانسحاب، واستمرت المذابح الإسرائيلية الغاشمة بحق الشعب الفلسطيني، وانطلقت من المقاومة الشعبية عام 1965 الثورة الفلسطينية المسلحة بقيادة حركة فتح وهدفها المعلن تحرير الوطن الفلسطيني. وفي عام 1967 واجه العرب نكسة أخرى إضافية، بعد أن شنت إسرائيل عدواناً على ثلاث دول عربية هي مصر والأردن وسورية، وكسر هذا العدوان قومية عربية ساخنة بعد أن سيطرت إسرائيل على التراب الفلسطيني كافة، إذ احتلت قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة إلى جزيرة سيناء وهضبة الجولان. وفي 6 تشرين الأول أكتوبر 1973 دخلت مصر وسورية في حرب مع إسرائيل تحت شعار استعادة الأراضي المحتلة عام 1967، ونجحت مصر في تحقيق اختراق تمثل في عبور قناة السويس وهزيمة إسرائيل؟! ومنذ ذلك العام 1973 بدأت إسرائيل تلاعب العرب، أو دول المواجهة على وجه الخصوص، بغزو لبنان تارةً، وارتكاب مجازر بحق الشعبين الفلسطينيواللبناني، وفي اتجاه آخر توقع اتفاقات سلام مع بعض الدول العربية. ودخلت القضية الفلسطينية مرحلة جديدة في تاريخها، عندما انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في شهر كانون الأول ديسمبر عام 1987، والانتفاضة الثانية في أيلول سبتمبر 2000، وأَجْبَرَ الفلسطينيون العالم على احترامهم واحترام قضيتهم، وأعادت إسرائيل مجبرةً ترتيب أوراقها العسكرية والسياسية الإقليمية والدولية، لأنهم واجهوا بسالة المقاومة وشجاعتها ووحدة الموقف والهدف، ولكن للأسف حدث داخل الموقف الفلسطيني أمر غيرَّ معادلة المقاومة، عندما أُجريت انتخابات عام 2006، فازت على أثرها حركة"حماس"بهذه الانتخابات، وبدل أن تستمر المقاومة التي أبهرت العالم بأسره بدأ الصراع الداخلي الفلسطيني - الفلسطيني، وكان هذا بمثابة طوق نجاة للعدو الصهيوني، وفتحت له ثغرة يستطيع من خلالها تفكيك الموقف والمقاومة على حد سواء، وبدأ كل طرف فلسطيني"للأسف الشديد"يبحث عن ترسيخ أقدامه وتحقيق مكاسب سياسية قبل تحقيقها على أرض الواقع، وبدأ كل طرف يحاول تعزيز موقفه الداخلي والدولي بسرعة هائلة، وتحول مسار القضية الفلسطينية إلى مواجهتين، مواجهة بين الفلسطينيين أنفسهم، ومواجهة غير موحدة الإستراتيجية والأهداف مع إسرائيل. ما ذكرته سابقاً ليس بجديد على الشارع العربي، ولكنها معلومات لابد من ذكرها حتى أصل إلى ما أريد أن أقول، وهو أن عام 2006، الذي أجريت فيه الانتخابات الفلسطينية والتي أوصلت إلى صراع لا تزال تئن بآثاره ونتائجه القضية الفلسطينية، كان خطأً استراتيجياً كبيراً لأنه حوّل مسار وحدة الموقف وتركيز الجهود أمام عدو شرس ومتغطرس إلى غوغائية الانتخابات والتنافس من أجل الفوز بها، وكان كل طرف يعرف ومتأكد من أنه مهما كانت النتائج فإنه لن يقبل بها وسيعمل على إفشال نتائجها لاختلاف أيديولوجيات المواقف بين الحركات أو المؤسسات المتنافسة، وبدلاً من أن تزيد نتائج هذه الانتخابات القضية الفلسطينية التقدير والاحترام والدعم العربي والدولي، زادته ضعفاً وتراجعاً في الدعم والمساندة بسبب تنامي الصراع الداخلي الفلسطيني الفلسطيني، ولا تزال تعاني من آثاره حتى يومنا هذا، وتشتت مساحة الأراضي المقطعة التي أفرزها اتفاق أوسلو إلى ما يشبه الدويلتين، دويلة تفاوض، ودويلة ترفض التفاوض وتحمل لواء المقاومة، وعلى رغم ذلك لازلنا نسمع عن انتخابات مقبلة؟! على رغم السقوط الذريع لنتائج الانتخابات السابقة، والدليل القاطع على ذلك ما نراه ونسمعه على الأرض، وأعتقد أن الإسراع في تحقيق المكاسب الموعودة أو المنتظرة قبل أن تكون هو سبب انتكاسة تجربة الديموقراطية الفلسطينية، وعلى رغم فشلها وذهاب الريح، إلا أن الدرس السياسي، على رغم قساوته ومرارته وتضحياته، لم يكن مقنعاً للساسة الفلسطينيين في الضفة والقطاع. كفى أيها الفلسطينيون، كفى تشرذماً وخلافاً وصراعاً، الدم الفلسطيني أصبح يراق من جهتين، من السلاح الإسرائيلي، ومن السلاح الفلسطيني. كيف تنادون باستمرار الدعم العربي والإسلامي والدولي لقضيتكم، وهو يرى الأخ يقتل أخاه بسبب خلاف سياسي أو تنافسي على تحقيق مكاسب وهمية، كيف له أن يستمر في احترام القضية ومبادئها وأهدافها وهو يرى تناحر على الأرض ويرى شخصيات من الطرفين تركت القضية الأساسية واحتلت شاشات محطات التلفاز الإخبارية تُشكِك وتُخوِن وتطعن وتُهدِد وتَتَوعد، كيف له أن يستمر في احترام قضية لم يحترمها أصحابها، ولم يقدرها أصحابها ولم يخلص لها أصحابها. كفى أيها الفلسطينيون كفى، فقد أردتم من الانتخابات التشريعية الديموقراطية كسب المزيد من احترام العالم وتقديره لقضيتكم، ولكنها زادت الطين ِبلةً، والمؤسف جداً أن الضحية هو الشعب الفلسطيني الذي أمضى 60 عاماً صابراً مجاهداً صامداً مثابراً، فلا تتسببوا في سقوط آخر معاقل الصمود، وإذا كنتم قد استطعتم تجاوز مآسي الصراع مع عدوكم اللدود الكيان الصهيوني وجلستم مع مسؤوليه تفاوضونهم وتحاورونهم 15عاماً، فمن المؤلم والمؤسف عدم استطاعة الأخ محاورة أخيه، وإيجاد حل جذري لهذا الخلاف، والتوصل إلى إستراتيجية ورؤية وأهداف محددة تعملون من أجل تحقيقها بكل أمانة وإخلاص، بدل اللجوء إلى انتخابات ستزيد من فجوة الانقسام، وستسمح لضعاف النفوس من العملاء والمنافقين زرع الدسائس ونثر بذور الفتنة التي ستنبت لا محالة رصاصات تقتل وتعمق الجراح، وستصيبون من يؤيد ويتعاطف مع قضيتكم بالإحباط... أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع كلمتكم على الحق ويرشدكم إلى الصواب. [email protected]