فور إعلان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو عن إقامة كأس العالم 2034 في السعودية بعد أن كان من المقرر أن يكون الإعلان في سنة 2024 وتم تقديمه بصفة أن السعودية باتت المرشح الوحيد؛ تواصل معي صديق إعلامي من دولة السويد يطلب مني بعض المعلومات عن الرياضة السعودية تخص عمله كصحفي رياضي، وبعد وعد مني بمده بما يريد انتهت محادثتنا، وعاد بي شريط الذكريات حينما كنت أجهز نفسي قبل 14 عاماً بجمع المعلومات عن ألمانيا ومدنها التي ستستضيف مونديال 2006، وكيف كان البون الشاسع بين ما جمعته من مصادر معلومات مفتوحة وما رأيته هناك بشكل ملموس على أرض الواقع، كيف كانت نهضة البلد ومجتمعها وملاعبها وطرقها ووسائل النقل فيها ومبانيها، تلك اللحظات الرائعة التي عايشتها بحضور مباريات المنتخب السعودي في ميونخ وهامبورغ وكايزر سلاوتن والتنوع في المدن والتجمعات والتواصل الحميم بين مختلف الجنسيات، تلك التجربة الرائعة التي غيرت نظرتي بل وغيرت بعضاً من حياتي فأصبحت أوروبا بعدها مقصداً سنوياً أقضي فيها إجازتي السنوية، وتخيلت ردة فعل هذا الصديق السويدي وغيره من إعلاميين وجماهير بعد زيارتهم للسعودية -بإذن الله- لحضور مونديال 2034، ومشاهدتهم لحقيقة المملكة العربية السعودية على أرض الواقع. السعودية ستنظم المونديال رسمياً، يا له من حلم!.. نعم حلم تردد كثيراً في أذهاننا ونحن في كل مونديال نسترجع تاريخ كأس العالم منذ تنظيمه في الأوروغواي أول مرة عام 1930م، وحتى أتت اللحظة التي قال فيها عراب رؤيتنا رؤية المملكة العربية السعودية ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان: «رغبة المملكة في استضافة كأس العالم 2034 تعد انعكاساً لما وصلت إليه من نهضة شاملة على الصعد والمستويات كافة، الأمر الذي جعل منها مركزاً قيادياً وواجهة دولية لاستضافة أكبر وأهم الأحداث العالمية في مختلف المجالات». أقول حتى هذه اللحظة لأنني حينها أيقنت بأن تحقيق الحلم اقترب وبات أقرب للواقع، لم لا ومع هذا الرجل تتحقق كل الأحلام. وبالفعل لم تمضِ غير أيام حتى أعلن رسمياً عن تنظيم المملكة العربية السعودية لمونديال 2034؛ فبعد نجاحها في استضافة العديد من الأحداث الرياضية الكبرى، تمكنت المملكة العربية السعودية من الفوز بحق استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم «مونديال 2034» بكل جدارة بعد انسحاب جميع منافسيها نظراً لجسامة الأمر وصعوبته على دولة غير السعودية إذا علمنا أنها ستدخل التاريخ بكونها أول دولة تستضيف المونديال بمشاركة 48 منتخباً بدلاً من 42، وعدد مباريات يصل ل 104 مباريات بدلاً من 64 مباراة، وخلال 39 يوماً بدلاً من 29 يوماً. مصدر سعادتي هو ذلك التأثير الذي سيتركه تنظيم حدث عظيم مثل المونديال وحجم التغيير الذي سيطرأ ونوعية التطوير في بلادي على مختلف الصعد ليس ذلك فحسب بل وحجم الفائدة التي ستجنيها السعودية والسعوديين من تنظيم المونديال. وحتى وإن كان الأمر يتعلق بالرياضة والأحداث الرياضية العالمية، فإن استضافة المملكة العربية السعودية لكأس العالم تعد أحد الأحداث التاريخية التي تستحق الانتباه بل والتي من شأنها أن تغير معالم وخارطة أمور مهمة لها علاقة بالرياضة سواء على الصعيد التقني أو الاقتصادي أو على مستوى العلاقات مع الدول، وقبل هذا وذاك بالطبع على الصعيد السياسي. فلو نظرنا للأمر من الناحية الاقتصادية فإنه يعتبر فرصة ذهبية للتنمية الاقتصادية. إذ ستستفيد الدولة من الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية الرياضية والفنادق والمرافق السياحية، مما يعزز النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل جديدة للشباب السعودي. أما من ناحية السياحة فبلا شك أنها ستساهم في زيادة الوعي العالمي بالسعودية كوجهة سياحية رائعة، ومن المنتظر أن يزور البلد مشجعو كرة القدم من جميع أنحاء العالم، مما يمنح الفرصة للسعودية لعرض تراثها الثقافي وجمالها الطبيعي. ناهيك عن التطور في البنية التحتية بشقيها خصوصاً وأن السعودية تعمل حاليًا ومن قبل الفوز بالاستضافة على تطوير بنية تحتية حديثة تحقيقاً لرؤية 2030، ومن المنتظر أن يضاعف العمل لمواجهة متطلبات استضافة البطولة؛ فمن ناحية البنية التحتية الرياضية فالسعودية تعمل على تطوير وبناء ملاعب حديثة ومتطورة في مختلف أنحاء البلاد. إذ تعمل على إنشاء ملاعب جديدة وترميم الملاعب الكبرى الحالية لتلبية المعايير الدولية المطلوبة لاستضافة المباريات. وستتميز هذه الملاعب بأحدث التقنيات والمرافق لضمان راحة الجماهير واللاعبين. أما على صعيد البنية التحتية العامة فيتطلب استضافة كأس العالم تطوير بنية تحتية قوية وشاملة. تشمل هذه الاستعدادات تحسين وتوسيع شبكة النقل والمواصلات، بما في ذلك تطوير المطارات وبناء وتحديث الطرق ووسائل النقل العام. كما تتضمن الاستعدادات لتوفير الإسكان والفنادق والمرافق السياحية اللازمة لاستيعاب الجماهير والضيوف القادمين وستشهد المدن الرئيسة تطويرًا كبيرًا في الملاعب، والطرق والمرافق الرياضية، ووسائل النقل، مما يجعل البلد مستعدًا لاستقبال الملايين من الضيوف. ومن ناحية العلاقات والتبادل الثقافي والاجتماعي من شأن الاستضافة أن توفر فرصة للتفاعل والتبادل الثقافي بين الشعوب المختلفة؛ فتجتمع الثقافات واللغات المختلفة في جوٍ من المتعة والحماس والتعاون، مما يعزز مفاهيم التفاهم والتسامح بين الشعوب. وبلا أدنى شك فإنها ستعزز من جودة وسمعة الرياضة المحلية في المملكة العربية السعودية التي تشهد حالياً تطوراً مهولاً، إذ شهد الدوري السعودي لكرة القدم تحسنًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. إذ تم تعزيز قيمة الدوري من خلال تعاقد الأندية مع نجوم كبار، مما رفع قيمته إلى أحد أغلى الدوريات في العالم. كما أنه وفي إطار رؤية السعودية 2030، تم إطلاق مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية ويهدف لتطوير الأندية الرياضية وتحقيق استدامتها من خلال استثمار شركات كبرى وتخصيص بعض الأندية للقطاع الخاص. وشهدت الرياضة النسائية في السعودية تحولًا تاريخيًا كبيرًا، إذ أسس العديد من الأندية النسائية وتنظيم العديد من البطولات الرياضية النسائية. كما عين عديد من النساء في مناصب إدارية وتدريبية في الاتحادات الرياضية، وأقيم أول دوري كرة قدم نسائي في الموسم الماضي، وتأسس أول منتخب نسائي لكرة القدم. كما شهدت الدورة الأولى للألعاب السعودية مشاركة نسائية فاعلة. ومن ناحية الإنجازات حققت السعودية نجاحات كبيرة في العديد من الرياضات، فبعد تاريخها المميز في كرة القدم حينما تسيدت القارة الآسيوية في ثلاث مناسبات «1984,1988,1996» بعد وصولها للنهائي في خمس مناسبات، وفوزها بالكأس العربية والكأس الخليجية غير مرة ووصولها للمونديال في ست مناسبات «1994,1998,2002,2006,2018,2022» فازت المملكة بالعديد من الميداليات المتنوعة في الأولمبياد العالمي كما فازت ب47 ميدالية في دورة الألعاب العربية و25 ميدالية في دورة الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص. كما تصدرت السعودية بطولات المحترفين في الألعاب الإلكترونية. ردة فعل السويدي وهو يشاهد «ذا لاين» مدهشة هذه بعض التطورات الرياضية الرئيسة والتي تعكس التزام المملكة بتطوير الرياضة وتعزيز دورها في المجتمع. أما من ناحية الاستضافات فهناك العديد من الأحداث الرياضية الكبرى، مثل: كأس العالم للأندية ورالي داكار وسباقات الفورمولا إي، وسباقات الدراجات النارية من سلسلة موتو جي بي، وسباقات الفورمولا 1 للقوارب، وبطولة العالم للغولف، وبطولة العالم للملاكمة، وبطولة العالم للتنس الأرضي، وكأس أمم آسيا 2027، والسوبر الإيطالي والسوبر الإسباني والسوبر الإفريقي. وبلا أدنى شك فإن هذه الأحداث والفعاليات والبطولات تعزز من مكانة السعودية كوجهة رياضية عالمية وتجذب اللاعبين والجماهير من جميع أنحاء العالم. ولا يمكن غض الطرف عن الاهتمام الكبير بتطوير الرياضات الشعبية وتشجيع المشاركة الواسعة فيها. إذ نظمت العديد من الفعاليات الرياضية المحلية، مثل: سباقات الهجن والقفز بالمظلات ورياضة الرماية. كما تم تأسيس العديد من الأندية الرياضية المحلية لتعزيز المشاركة الشعبية في الرياضة. وهناك أمر مهم أراه لا يقل عن ما سبق ومن المهم التركيز عليه وهو الترويج للقيم السعودية، إذ ستكون الفرصة سانحة بفضل استضافة المونديال لتسليط الضوء على القيم الثقافية والاجتماعية، وستتاح الفرصة للعالم للتعرف على التراث والثقافة السعودية، وتعزيز فهمهم للقيم والتقاليد المحلية. وبلا شك ستسعى السعودية لتوفير تجربة ثقافية وترفيهية مميزة للجماهير المشاركة في الحدث، إذ من المنتظر أن تقدم البلد فعاليات ثقافية وترفيهية متنوعة تعكس التراث السعودي وتعزز التبادل الثقافي بين الثقافات المختلفة. كما ستعقد فعاليات ترفيهية وحفلات وعروض فنية لإضفاء جو من المرح والاحتفال على الحدث. وبعد كل ما سبق مازلت أتساءل.. تُرى كيف ستكون ردة فعل صديقي السويدي حينما يزور المملكة العربية السعودية ويحضر المونديال هو وعائلته، وما حجم التأثير الذي سينعكس عليه وهو يشاهد أول مدينة صديقة للبيئة بكاملها «ذا لاين» بعدد سكان يُقارب المليون نسمة ب»صفر سيارة» وبطاقة متجددة بنسبة 100 %. وأكثر مدينة معتمدة على التكنولوجيا في العالم. أو حينما يشاهد تاريخ الدرعية، ومشاريع القدية، وآثار أجدادنا التي ما زالت الطبيعة تحتفظ بها، أريد أن أشاهد تعبيرات وجهه والشعب السعودي الطيب البشوش المضياف يتلقفه ويكرمه في كل مدينة سعودية يلامس أرضها، وهي رسالة لي ولجميع السعوديين؛ لنكون مستعدين لخدمة وطننا من خلال التعاون مع كل من يتواصل معنا للسؤال عن بلادنا، فإن كان لكم أصدقاء أجانب فتحروا أسئلتهم وانتظروا استفساراتهم وتقبلوها بصدر رحب. كأس العالم في السعودية الأخضر سيكون حاضراً بقوة عبدالوهاب الوهيب