عندما أعلنت الأكاديمية السويدية فوز الأديب نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب، أخذت الصحف وأجهزة الإعلام بترديد عبارات: (الآن عبرنا إلى العالمية. ها هو ذا نجيب محفوظ الأديب العالمي)، مما جعل د. سعيد توفيق يتساءل: هل أن نجيب محفوظ لم يصبح أديباً عالمياً إلا بعد حصوله على الجائزة؟ وإذا لم يحصل على الجائزة سيكون محفوظ أديبًا محليًا! أدرك حينها د. سعيد توفيق أن المجتمع العربي يواجه سوء فهم في معنى مفهومي العالمية والمحلية؛ فالإبداع الأدبي وحده وإنما في كل إبداع فني. يتصدى د. سعيد في هذا الكتاب للمفهوم المغلوط الشائع عن عالمية الفن ومحليته الذي يعود نتيجة للوعي الزائف حول العالمية والمحلية من خلال تحليل المعاني والمفاهيم التي تكشف لنا فساد هذا الوعي. يعتقد الغالبية بأن محلية الفن تتماثل مع بقية الأشياء التي تتسم بخاصية المحلية، أي في الحالتين تعني «ما يكون خاصًا أو منتميًا إلى إقليم أو شعب ما هو الذي أنتج العمل أو الشيء المصنوع لأجل استهلاكه الخاص» ويعني بالعالمية «عندما تتوفر أو تتاح له القدرة على الانتشار واختراق الحدود الإقليمية ليصبح موضوعًا للاستهلاك العالمي»، ولهذا السبب كانوا يعتقدون أن عدم انتشار العمل الفني العربي يعود إلى دونيته، وأنه محدود أو محلي. يشير الكاتب بوجود فريق يجعل المحلية تتعارض مع العالمية قائلًا: «ففريق يرى أن الفن ينبغي أن يكون عالميًا وهذا يعني بالنسبة لهم أن يتخلص من خاصية المحلية التي هي سمة الفن». أوضح د. سعيد أن محلية الفن لا تعتبر كمحلية أي شيء، فالأشياء المصنوعة في بلدٍ ما لا تدلنا على خصوصية ذلك البلد أو معرفته، إلا حينما ننظر على البطاقة التي ألصقت عليه، صُنع في دولة كذا، قد يمكن توفر عدة عوامل تتجلى في الشيء تجعلني أستدل على أنها من تلك الدولة، كدقة الصناعة أو استخدام مواد معينة، ولكن لا يمكن للأشياء المصنوعة تدلنا على طبيعة الأمة وروح شعبها، «فالعلاقة بين الشيء المصنوع وبين الأمة التي أنتجته علاقة خارجية برانية؛ ومن ثم فإن محلية الشيء المصنوع يمكن أن نسميها محلية برانية»، أما المحلية الفنية هي أن العمل الفني يتسم بهوية الأمة وروح شعبها. لشدة ما تتأثر الروح من الإطار الزماني والمكاني التي تنتمي له، وهذا يشير إلى مدى تأثير العمل الفني بالزمان والمكان. يقول د. سعيد في أثر الزمكان في صناعة الفن: «إن كل عمل فني أصيل ينبت في تربة يحمل رائحتها وينشأ في وطن يمثل هويته»، ولذلك نجد أن الفنان يسبي حضارته في عمله الفني ليضفي روح الحياة التي تسري فيها، فالشاعر العربي عندما يصوّر لنا الصحراء والخيل لا يشير لحدود جغرافية أو كائن حي، بل يريد أن يجسد روحية الأمة وطابعها في صورة مرئية، «وهكذا يمكن أن نخلص إلى أن خاصية المحلية في الفن باعتبارها علاقة انتماء وخصوصية بين الفن وبيئته وحضارته، إنما علاقة جوّانية، أو علاقة من الداخل أو الباطن، يمكن أن نسميها محليّة جوانية»، وجدت في مفهومية د. سعيد توفيق ما يتناسب مع تعريف الذي وضعه المفكر الكبير عباس العقاد للفن بأنه تعبير الأمم عن الحياة. إن كل أمة تعبر عن الحياة من منظور إنساني عام، تمثلّ صراعات الإنسان وتلتقط الجمال الذي التمح إليه في أثر الحياة. فالعالمية لدى د. سعيد هي «خاصية التواصل مع الإنسان أو الناس على اختلافهم». وكل أمة تعبر عن ذلك ما يتسق مع طبيعة روحها، كل ما يريد إيصاله الكاتب بأن المحلية في الفن هي سمة يتميز بها، يستطيع من خلالها التعبير عن الحياة، وكلما ازدادت جودة محليّة العمل الفني استطاع أن يخترق حدود أرضه بجودته وبقيمة الجمال المختزنة به، فنجيب محفوظ لم يسعَ إلى جائزة، ولا إلى ترجمة أعماله، بل قام بتجسيد معنى إنساني عام في إطار زماني ومكاني خاص، تختص به الأمة المصرية.