شكّل تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز حكم المملكة العربية السعودية قبل أكثر من ثماني سنوات نقطة تحول حاسمة، في ظل معاناة العديد من دول المنطقة من الاضطرابات وعدم الاستقرار، إضافةً لما واجهته المملكة نفسها من تحديات على المستويين المحلي والدولي، ورغم ذلك وتحت قيادة الملك سلمان وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان، أطلقت المملكة مبادرة رؤية 2030 الطموحة لمعالجة هذه التحديات وتحويل اقتصادها ومجتمعها. لقد أدى التزام المملكة بالتقدم والتحول من خلال رؤية 2030 إلى تحقيق تقدم جدير بالثناء على الجبهتين المحلية والدولية، ويظل أحد الإنجازات الملحوظة يكمن في تنويع اقتصاد المملكة وتقليل اعتمادها على النفط وجذب الاستثمارات الأجنبية، كما حققت البلاد تقدمًا كبيرًا في تمكين مواطنيها، خاصةً النساء من خلال رفع الحظر على القيادة وتعزيز المساواة بين الجنسين. إن الاحتفال باليوم الوطني للمملكة يعد مناسبةً للاعتراف برحلة الأمة الرائعة وتكريم أصحاب الرؤى والقادة الذين مهدوا الطريق لنجاحها، كما أنه فرصة للاحتفال بالتراث الثقافي الغني للمملكة، والذي يشمل الآثار القديمة والمناظر الطبيعية الخلابة. وبشكل عام، فإن التزام المملكة بالتقدم والتنويع الاقتصادي وتمكين مواطنيها والعناية بتراثها الثقافي، قد وضع البلاد كدولة ديناميكية وطموحة على المسرح العالمي، مع استمرار المملكة في التحرك نحو مستقبل أكثر إشراقًا، فهي بمثابة مصدر إلهام للعالم. ولعلي هنا وفي ظل احتفالاتنا باليوم الوطني لبلادنا الغالية وما تشهده من استقرار وإنجازات أُعيد سرد موقف شخصي جرى معي أثناء تواجدي في دبي خلال شهر ربيع الثاني من العام 1436ه، يقدم لمحة عن الإثارة والترقب المحيط بصعود الملك سلمان إلى العرش ويسلط الضوء على التفاؤل والأمل الذي ملأ الأفئدة مع بدء عصر جديد تتواصل فيه مسيرة الإصلاح والتحول. رحلة التحول عبر رؤية 2030 أظهرت نتائج إيجابية قدمت المملكة كنموذج عالمي ملهم كنتُ في دبي خلال ربيع الثاني 1436ه، الموافق 21 يناير 2015م، أحضر اجتماع زملاء جامعة أريزونا في دول مجلس التعاون الخليجي، وفي صباح 3 ربيع الثاني 1436ه (23 يناير 2015) تلقيت مكالمة غير متوقعة في الصباح الباكر أيقظتني من نومي، لتبلغني بأن الملك سلمان قد اعتلى عرش المملكة إثر وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله، لينتابني تضارب مشاعر عميق ملأ نفسي في هذه اللحظات، فبقدر حزني لفقدان ملك حكيم وسياسي قدير فقد عوّض ذلك الشعور خبر تولي الملك سلمان الحكم وغمرني باطمئنان كبير لأسباب عدة، منها أن هذه هي مملكتنا، استقرار وأمن وسلاسة في انتقال الحكم، والأهم أنني كنت على يقين أن التحول الوطني الذي طال انتظاره على وشك أن يبدأ، لقد واجه الملك سلمان بحكمته المعهودة تحديات كبيرة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وعلى الرغم من هذه الصعوبات، ومع استقرار المقام باختيار الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد.. تم الشروع في إصلاحات مختلفة، وكان ذلك بدايةً لبرنامج التحول الوطني وتنفيذ الأهداف المحددة في رؤية المملكة العربية السعودية 2030. معالجة التحديات وضمان الاستقرار: التحركات الاستراتيجية للمملكة اتخذت المملكة خطوات استراتيجية لمواجهة التحديات وضمان الاستقرار، مع التركيز على التنويع الاقتصادي وتعزيز التحالفات. ويتمثل أحد الجوانب الرئيسة لهذه الاستراتيجية في الانخراط بنشاط مع شركاء جدد مثل الصين، لتعزيز الاستقرار وتخفيف التهديدات المحتملة. ومن خلال توسيع التحالفات بما يتجاوز الشركاء التقليديين، تمكنت المملكة من تعزيز موقفها وتوسيع قاعدة دعمها الدولية. وهناك خطوة استراتيجية أخرى للمملكة تتمثل في تشكيل تحالفات مع دول مثل روسيا من خلال منظمات مثل أوبك بلس، حيث يتيح هذا التعاون للمملكة أن يكون لها دور أكثر تأثيرًا في أسواق الطاقة العالمية، ما يضمن استقرار أسعار النفط التي تعود بالنفع على جميع الدول المشاركة، ومن خلال الإدارة الجماعية لمستويات إنتاج النفط، يمكن منع التقلبات الشديدة وحماية الاقتصاد العالمي. لقد أثبتت هذه الإجراءات الاستباقية نجاحها في إرساء الاستقرار في المملكة، كما أدى تنويع التحالفات والانخراط مع شركاء جدد إلى توسيع نطاقها وبناء شبكة مرنة قادرة على التغلب على الاضطرابات المحتملة، بالإضافة إلى ذلك، أدى التعاون مع دول مثل روسيا في منظمات مثل أوبك بلس إلى تعزيز نفوذها في أسواق الطاقة العالمية، مما أدى إلى حماية مصالحها على المدى الطويل. وعلى الصعيد المحلي، نفذت المملكة إصلاحات تهدف إلى تبني تفسير أكثر تسامحاً للإسلام، وقد أدت هذه الإصلاحات إلى تغييرات مجتمعية كبيرة، بما في ذلك منح المرأة الحق في قيادة السيارة، وضبط اجتهادات وتصرفات بعض منسوبي هيئة الأمر بالمعروف التي كان ينتج عنها أخطاء وإلزامهم بالنظام والدور المنوط بهم، وأظهرت البلاد أيضًا قبولًا أكبر للديانات الأخرى، وقد عززت هذه الجهود مجتمعاً أكثر انسجامًا وقبولاً. ومن خلال تعزيز التسامح والمشاركة العالمية والعلاقات الدولية، حققت المملكة نتائج إيجابية على الصعيدين المحلي والدولي، وتستمر المملكة في التزامها بالتحسين المستمر وإعطاء الأولوية لمؤشرات الحوكمة وتنفيذ التدابير اللازمة للتقدم المستمر، ومن خلال هذه التحركات الإستراتيجية، تسعى المملكة جاهدةً لتشكيل مستقبل أكثر إشراقًا لمواطنيها وإلهام الرحلات التحوُّلية في جميع أنحاء العالم. ومع استمرار المملكة في متابعة رحلتها من التحول عبر رؤية 2030، ظهر العديد من النتائج الإيجابية غير المباشرة، أولها خضوع عمليات صنع القرار لإعادة الهيكلة، مما أدى إلى تحسين الكفاءة والمساءلة، وإلى زيادة التفاعل داخل سلسلة القيادة في الخدمة المدنية، وتبسيط إجراءات الحوكمة وتعزيز تقديم الخدمات العامة، أما ثانيًا، فقد أدى تعيين مدراء تنفيذيين من القطاع الخاص بعقود قصيرة الأجل لشغل مناصب حكومية رئيسة إلى ظهور وجهات نظر وخبرات جديدة، مما أدى إلى إدارة أكثر كفاءة وموجهة نحو النتائج، علاوة على ذلك فإن تطبيق تكنولوجيا المعلومات مكّن صانعي القرار من قياس تقدم المشروع بدقة واتخاذ قرارات تعتمد على البيانات. وعلى المستوى العالمي، وفي خطوة هامة، قدمت الكتلة الاقتصادية لدول البريكس دعوة متميزة للمملكة، المعروفة بصفتها أكبر مَصدر لتصدير النفط الخام في العالم، للانضمام كعضو كامل في البريكس، كما كان من أبرز الإنجازات إضفاء الطابع الرسمي على العلاقة السعودية - الأمريكية، مع مراعاة مصالح البلدين. أما على الصعيد الإقليمي، فقد انتقلت المملكة من تقديم الهبات والتبرعات المجانية إلى القيام باستثمارات مسؤولة تتماشى مع تدابير الشفافية العالمية، وبالإضافة إلى ذلك بُذلت جهود لتطبيع العلاقات مع إيران وسوريا، مما يساهم في الاستقرار الإقليمي. ومحليًا، خطت المملكة خطوات كبيرة في تنظيم العلاقات مع المسؤولين وتعزيز مبدأ المساءلة والنزاهة، وتشير هذه النتائج إلى تقدم المملكة كنموذج عالمي. الخلاصة أن لكل حقبة زمنية تاريخها الخاص، بإيجابياتها وسلبياتها، وفكرها وتفكيرها، ودروسها وتجاربها. الدول تُبنى وتتعزز قيمتها بناءً على الإنجازات الناجحة، بغض النظر عن وفرة الموارد المتاحة للتنمية، كونها ذات أهمية قليلة إذا لم يكن هناك إنسان قادر على استثمارها واستخدامها بأفضل طريقة ممكنة. إن صناعة المستقبل تتطلب من المسؤول أن يكون استراتيجيًا في رؤيته وممارساته، وأن يكون لديه تصور واضح للهدف الذي يسعى لتحقيقه، وأن يتجنب الأخطاء الشائعة في الاستراتيجيات، لا يجب أن تتحول الاستراتيجية إلى مجرد تمنيات طموحة للمستقبل دون تفاصيل وآلية لتحقيق الأفكار، فالتميز والمحافظة على التفوق لا بد أن يرافقهما تغير الأسلوب والأدوات، فلكل مرحلة أسلوبها وأدواتها. وخاتمة القول إن تحول المملكة العربية السعودية في ظل رؤية 2030 يعد شهادة على التزام الدولة بالاستقرار والازدهار والتقدم المجتمعي من خلال تبني سياسة خارجية متعددة الشركاء، وتبني التسامح والشمولية وإقامة شراكات استراتيجية، لقد نجحت المملكة في مواجهة التحديات المحلية وإقامة علاقات دولية أقوى، ولعبت النتائج غير المباشرة لرؤية 2030، مثل إعادة هيكلة عمليات صنع القرار، وزيادة التفاعل داخل سلسلة الخدمة المدنية، وتعيين المديرين التنفيذيين من القطاع الخاص، دورًا مهمًا في تشكيل حكومة أكثر كفاءة وقائمة على النتائج. ومن خلال تنويع التحالفات وتنفيذ الإصلاحات المحلية وإعطاء الأولوية للتفاهم الثقافي، اجتازت المملكة تحديات الماضي وحققت نتائج إيجابية، شملت حل النزاعات، واستقرار أسعار النفط، وتعزيز النمو الاقتصادي، ومع الاعتراف بأن السعي وراء التميز هو عملية مستمرة، تواصل المملكة مسارها التحوُّلي، ملهمةً الدول الأخرى للشروع في رحلات مماثلة، إذ تُعتبر رحلة التحول في وطننا نموذجًا للدول التي تطمح إلى تحقيق التقدم وتسليط الضوء على قوة القيادة والتصميم والرؤية الاستراتيجية. يعمل الدكتور تركي فيصل الرشيد أستاذاً زائراً في جامعة أريزونا، كلية الزراعة وعلوم الحياة، قسم هندسة النظم الحيوية. ومن أبرز مساهماته المشاركة في تأليف كتاب "الحوكمة العامة وقدرات الإدارة الإستراتيجية: الحوكمة العامة في دول الخليج". بالإضافة إلى ذلك، فهو يشارك حاليًا في مشروع بحثي بعنوان "تحول المملكة العربية السعودية: عدم اليقين والاستدامة". د. تركي فيصل الرشيد