كتاب (قصص وأساطير شعبية: من منطقة المدينةالمنورة بدر ووادي الصفراء) من مدونات التراث الشعبي الثرية والممتعة التي لم تنل من الشيوع مثلما نالت مدونات أخرى اختصت بجمع الحكايات والأساطير الشعبية في السعودية، ومن المؤكد أن السبب الرئيس هو تأخر زمن صدورها مقارنة بغيرها مثل: (أساطير شعبية من قلب جزيرة العرب) لعبد الكريم الجهيمان. إذا لم يُصدرها المؤلف الأديب مفرج بن فراج السيّد (1360ه - 1440ه) إلا سنة 1437ه/2015م. وقد كان للسيّد -رحمه الله- عناية واسعة بالتراث الشعبي في منطقة المدينةالمنورة وما حولها نتج عنها مجموعة من المؤلفات الجميلة التي صدرت في فترات زمنية متقاربة عن دار المفردات للنشر، منها: كتاب (بدر ووادي الصفراء: عادات وتقاليد .. حكايات وذكريات)، وكتاب (الخبيتي: أغاني الخبت)، وكتاب (شعراء الكسرة في الساحل الغربية) الذي شاركه في تأليفه الأستاذ طلال حميد الصبحي، إضافة لمؤلفات أخرى ما تزال مخطوطة. ويتميز كتاب (قصص وأساطير شعبية) بتنوع أشكال الحكايات التي دوّنها السّيد تنوعاً واضحاً، وقد حاول تصنيف المتشابه منها بضم بعضها إلى بعض تسهيلاً على القراء، مع أن عملية تصنيف الحكايات الشعبية عملية شاقة ومتعذرة، في بعض الأحيان، نظراً لما قد تشتمل عليه الحكاية الواحدة من موضوعات متعددة، ونظراً لطبيعة التداول الشفهي التي تؤدي لاستعارة عددٍ من جزئيات الحكاية من حكايات أخرى. ومع أن السيّد لم يكن صارماً في تصنيفه للحكايات التي نقلها من الرواة إلا أن هذا الأمر يعد مزيّة لكتاب (قصص وأساطير شعبية) ولأغلب المدونات الشعبية، إذ تتخلل الحكايات الموجزة التي يجمع بينها موضوع واحد حكايات متنوعة وشيّقة تجذب القارئ وتشجعه على الاستمرار في القراءة. ومن عناوين الحكايات والأساطير التي دوّنها السيد: من قصص الجن، من قصص أهل القلم والمشعوذين، من قصص الوحوش والطير، من قصص المنبهين في ليل النائمين، من قصص السعالوه وهم أكلة لحم البشر، من قصص النساء الخائنات، قصص الخوف والجسارة والمراهنات، قصص من الواقع، قصص عن الحيوانات، قصص أمراء مكةوالمدينة، من قصص المماليك غير الصالحين، قصص تتعلق بالذئب، قصص حول ليلة القدر إضافة إلى الكثير من الحكايات العجيبة والنوادر الشعبية الطريفة التي تُروى عن شخصيات معروفة كجحا وأبي نواس وأبي دلامة وغيرهم. ومن الجيد أن السيد دوّن مجموعة من الحكايات الشعبية المتعلقة بكرامات الأولياء الصالحين تحت عنوان (قصص أهل الخطوة والكرامات: أهل الصوفية)، وهي جزء من تراثنا الشعبي غالباً ما يميل المدونون إلى إهماله بذريعة أن تلك الحكايات من الباطل الذي ينبغي إماتته بالسكوت عنه، وقد اكتفى المؤلف بالتمهيد لحكايات أهل الكرامات بقوله: «إن إيرادي لهذه القصص لا يعني أنني أعتبرها صحيحة وأصدق بها، كما أنني لست ممن يؤيد الاستغاثة بغير الله، وهذا ما ينافي الدين الإسلامي، ولكن هكذا سمعنا هذه القصص، وهكذا نوردها كقصص ليس إلا». وأعتقد أن العديد من الحكايات المدونة، المتعلقة بالكرامات أو بليلة القدر أو بالسحرة والمشعوذين أو بالجن والكائنات العجيبة، تشكّل مادة جيدة ومهمة تساعد الباحثين المهتمين بموضوع المعتقدات الشعبية. ومن الإضافات النوعية في كتاب (قصص وأساطير شعبية) القراءات النقدية المقارنة التي علّق بها الباحث المبدع الأستاذ محمد بن مفرج السيّد على كثير من المرويات الشعبية التي دوّنها والده مؤلف الكتاب، ولا أستطيع أن أختم عرضي الموجز دون إبداء إعجابي الشديد بالملحوظات والتعليقات التي علّق بها محمد السيّد على الحكايات والأساطير المدونة، وجميع تلك التعليقات تدل دلالة أكيدة على الحسّ النقدي العالي، وعلى سعة ثقافته واطلاعه على مصادر التراث العربي والشعبي على حد سواء. وقد نتج عن تضافر جهد الأب -رحمه الله- وجهد الابن -متعه الله بالصحة- عملٌ مميز وجدير بالإعجاب والاقتناء. عبدالكريم الجهيمان رحمه الله