دعاني صديق إلى مشاهدة فلم (أوبنهايمر - Oppenheimer) الذي أحدث أصداء واسعة في ساحات ومنصات السينما العالمية، والذي أخرجه كعادته الإبداعية «كريستوفر نولان». في حقيقة الأمر أعتبر أن هذا الفلم واحدا من أكثر الأفلام المدهشة، حيث ستجد أن الحضور منغمسون في مشاهدته منذ لحظة البدء إلى لقطة الختام، كل شيء مميز، الحبكة، الموسيقى، طاقم التمثيل، الأداء، تداخل علم الفيزياء مع اختلاف الانتماءات السياسية جنباً إلى جنب مع تسليط الضوء على أوبنهايمر وحياته الشخصية، كل تلك التداخلات لم تمنع نولان من حبك الأحداث وجعلها مترابطة وجذب أنظار الجميع إلى تحفته. ولكن هناك بعض الملاحظات والانتقادات والتي أريد أن أشاركها معكم. على الرغم من أن أوبنهايمر أظهر ندماً كبيراً بعد نجاحه في مشروع لوس ألاموس، عندما قال: Now I am become death, the destroyer of worlds «الآن أنا أصبحت الموت، مدمر العوالم"، حيث أدرك في تلك اللحظات أنه أيقظ القوة التي ستدمر العالم وأصبح يُكنى ب «أب القنبلة الذرية». لقد تم تصويره في الفلم على أنه قدم نجاحاً علمياً باهراً، وأنه استطاع أن يستنهض ويحفز سياسيي الولاياتالمتحدة الأميركية ليمدوا هيمنتهم على العالم، حيث إن فرصة استفراد السوفيتيين أو النازيين بقنابل مماثلة ستكون نهاية العالم الحقيقية، بينما حصول الأميركيين على تلك القوة سيرسي مفهوم التوازن بين القوى العالمية (وهذا مفهوم يسمى عند السياسيين بنظرية الردع في العلاقات الدولية). بعد إلقاء القنبلة على هيروشيما وناجازاكي، أعتبر الرئيس الأميركي أن أوبنهايمر بطلاً حيث إنه استطاع إعادة الجنود إلى بلادهم، وإنهاء الحرب العالمية وانتصار أميركا على اليابان، وظهورها كقوة عالمية. أعتبر أن المخرج نولان، على الرغم من إظهاره مشاهد الندم على قسمات وجه أوبنهايمر وكلماته، إلا أنه نجح في جعل المشاهد يحترم كفاءة أوبنهايمر العلمية، وحذاقته، وأيضاً شخصيته الاجتماعية الساحرة، وهذا ما سيجعل المشاهدين يفضلون تقديم نظرة التقدير لأوبنهايمر، على عكس اعتباره مجرم حرب. هناك عملية ممنهجة في صناعة السينما لتصوير الرجل الأبيض مهما كان مُسرفاً في الوحشية على أنه صاحب يدٍ عليا، وقدرات خارقة تميزه عن الأعراق الأخرى من بني البشر. سنجد ذلك جليّاً في عدد من الأفلام مثل جاسوس MI6 البريطاني جيمس بوند. الذي يستطيع دائماً ووحيداً اختراق نظام أي دولة والحصول على المعلومات وإنجاز المهمات وحماية العالم. أو «رامبو» الجندي الأميركي الذي استطاع وحده أن يجابه الميليشيات الفيتنامية (على الرغم أن أميركا تلقت هزائم نكراء في فيتنام). تُستمد هذه الأفكار من عقدة يمتلكها الإنسان الأبيض ويقال لها في علم النفس «White Savior Complex" أي «عقدة المُنقذ الأبيض». دائما ومهما حصل سيعتبر الإنسان الأبيض نفسه صاحب اليد العليا، ولو لا وجوده ومساهماته في بناء العالم، لتهاوى العالم رأسا على عقب. حُيث لا ينظر الإنسان الأبيض لنفسه على أنه سبب من أسباب الشر في العالم، نستطيع إدراك ذلك عبر السلسلة التاريخية من المجازر واستعباد البشر ونهب ثروات الشعوب. لحظة ختام: في الفلم، أظهر ألبرت اينشتاين وجه الامتعاض عندما أخبره أوبنهايمر بنجاح مشروعه لذا أعتقد أن الاقتباسه الآتية من اينشتاين كانت تبعاً لوقع ذلك الخبر حيث يقول: «أنا لا أعرف ما الأسلحة التي سوف تكون في الحرب العالمية الثالثة، ولكن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة!.