عند الحديث عن كرامات الأولياء في الحكايات الشعبية، وعن شخصيات قادرة على السير فوق الماء، أو الطيران في الفضاء، بقدرة الله عز وجل، فلا بد من الوقوف عند إحدى أبرز الشخصيات التي يُكثر الرواة من استحضارها في حكاياتهم، وهي شخصية: الخضر. ولعل أقوى نقاط الجاذبية فيها أنها من الشخصيات التي يكتنفها الغموض رغم أن الله أخبر عنها في القرآن الكريم. فقد جاء ذكر الخضر في قصة رحلته مع النبي موسى -عليه السلام- في سورة الكهف، رغم عدم الاتفاق: هل هو نبيٌ من الأنبياء أم وليٌ من الأولياء الصالحين؟ وقد ذكر الأستاذ عبده خالد في (قالت عجيبة: أساطير تهامية) أن كثيرين من أهل الجنوب يؤمنون بأن «الخضر يسيح في الأرض ويمرّ على الناس ويساعدهم ويخبرهم عن ما سوف يحدث»، وأنه «هو من يوصل بشارة ليلة القدر»، وأورد من بين حكاياته حكاية (رزق) التي يمر فيها الخضر على الصياد الفقير الذي يُخاطبه: «أسألك يا نبي الله الخضر عن رزقي»، فيجيبه بعبارة غامضة: «رزقك هللة ورزق زوجتك هللة»، وفي الليل يقوم الصياد ليغتسل من البئر، فيجذب الدلو ليجد «صرّة كبيره بها ذهب»، فيخبر الخضر بما حدث ويطلب منه أن يسأل ربه لمن هذه الصرة، وبعد أيام يرجع ليقول له: «يقول ربي إنّ صرّة الذهب هي رزق من قمت لتغتسل بعد أن وضعته في بطن أمه». وأيضاً أكد الأستاذ محمد بن زيّاد الغامدي في كتابه (أساطير الأولين بين الخيال واليقين) على أن الناس في منطقة الباحة «يعتقدون أن الخضر عليه السلام يجوب الأرض على هيئة درويش يمنح البركة بإذن الله لكل ضعيف محتاج»، وأورد حكاية (الدرويش) التي تشابه، إلى حدٍ ما، الحكاية السابقة في موضوعها، وتحكي عن درويش يمر بإحدى القرى في طريقه إلى مكةالمكرمة، ويلتقي رجل من القرية بالدرويش فيظن أنّه ربما يكون «سيدنا الخضر»، فيشكو إليه من عدم إنجاب زوجته، فيحتال عليه الدرويش الذي رأى خروفاً مربوطاً في بيته بالقول: «الأمر بسيط، لكنه يحتاج إلى قربان تقربه لله تعالى»، وفي نهاية الحكاية يحدث الأمر غير المتوقع بإنجاب زوجة الرجل لولد سمّاه «درويش» امتناناً للدرويش المحتال! وتبرز لنا شخصية الخضر ببعدها الأسطوري في حكايات أخرى أوردها خال كحكاية (مقطعة اليدين الرجلين)، حيث يظهر الخضر لإنقاذ الأميرة الصغيرة التي قطع العبد جميع أعضائها لرفضها تسليم نفسها له، فأمرها أن تتقلب في الطين وتذكر اسم الله ثم «رمى عليها أوراقاً من شجرة الخلد فنبتت أطرافها» وعادت سليمة معافاة كما كانت. وفي حكاية (على زنية 3) يخرج الخضر -من دون أي مقدمات- للأخت الدميمة المسنّة وهي في مخدع السلطان لكي يخلصها من المأزق الذي وضعها فيه أخوها علي. إذن قد يكون الخضر بطلاً من أبطال الحكاية الشعبي يؤدي فيها دوراً أساسياً، وقد يستدعيه الراوي الشعبي استدعاءً طارئاً ليساهم في إنقاذ أبطال الحكايات وفي إخراجهم من المواقف الحرجة بسرعة فائقة، ثم يختفي تماماً من الحكاية التي تستمر أحداثها في النمو.