وظيفة الوعظ أو الإقناع بالأفكار والمعتقدات والقيم من وظائف الحكاية التي لا يمكن أن تخفى على المتأمل في سرد الحكايات على اختلاف أنماطها، إذ لا تكاد حكاية تخلو من الحِكم والنصائح التي يُقدمها الحكماء والآباء والعقلاء والمجانين (والمخلوقات كافة) للأبطال وللشخصيات. وفي مدونات الحكايات والأساطير الشعبية تقابلنا حكايات كثيرة يمكن تصنيفها تحت مسمى «الحكايات الشعبية الوعظية»، وهي حكايات تتميز بتنوع موضوعاتها وتباين لغة سردها، ولعل أبرز ما أود الإشارة إليه منها هي ما تتسم بابتعاد لغتها عن لغة الوعظ المباشر، أو تلك التي صيغت في قالب عجائبي يُحلّق بها من أرض الجمود والمباشرة إلى فضاء الحيوية والخيال. ففي عدد من الحكايات الشعبية التي أوردها الأستاذ عبده خال في أساطيره، نرى أن الراوي يختار كائنات عجيبة وغير تقليدية لتحتل دور البطولة في حكايته الوعظية، فعلى سبيل المثال تحتل حورية من حوريات الجنة بطولة حكاية (جزاء الحامدة الشاكرة)، فعندما كانت الحورية تتمشّى في الجنة رأت نعيماً مُضاعفاً قيل لها إنه «للحامدة الشاكرة لموت أبنائها»، فدعت الله أن يُنزلها إلى الدنيا لكي تتزوج ثم تلد ثم يموت أبناؤها فتحمده وتشكره «وتعود لتتنعم بذلك النعيم»، ومن استجابة الله لدعائها تنطلق أحداث الحكاية. وبحسب تقسيم الدكتور أحمد زياد محبك يمكننا القول إن العجيب في الحكاية السابقة، وكذلك في معظم الحكايات الشعبية الوعظية التي ستأتي الإشارة إلى بعضها، مبنيٌ على الإرادة الإلهية وفق التصور الشعبي، فالله وحده قادر على إحداث المعجزات التي تكون فيها عبرة وعظة للبشر عامة وللمذنبين على وجه الخصوص. ومن الحكايات التي تندرج بوضوح تحت هذا النوع حكاية (عقاب) التي أورد لها خال روايتين إحداهما موجزة والأخرى موسعة بعنوان (زواج المحارم.. دودة في الرأس). فهذه الحكاية تتعرض لحدث شاذ لا تلتفت له الحكايات الشعبية عادةً وهو زواج المحارم، فبعد نجاة عشرة رجال فقط من بين رجال القرية الذين غرقوا في السيل يتخذون قراراً خطيراً يبيحون فيه لأنفسهم الزواج من محارمهم رغبة في سرعة التكاثر وخشية من هجوم أعدائهم، وقد نتج عن هذا القرار أمران مرعبان: الأول «أن أبناء وبنات المحارم يأتون في خلقة مشوهة ولا تطول أعمارهم»، والثاني أنه «كلما ذهب أحدهم لدفن ابنه خرجت إليه دودة من القبر والتصقت برأسه فيموت قبل أن يغادر قبره». وفي هذه الحكاية، التي قد يصح القول بأنها تنتمي لأدب الرعب، يصور الراوي ببراعة مطاردة دودة الرأس للرجال العشرة الذين تفننت في أساليب قتلهم إلى أن قضت على الرجل العاشر والأخير بعد خمسة عشر عاماً من هربه ولجوئه إلى الحرم المكي. في هذه الحكاية يُلمح الراوي إلى أن الله جعل قوته في أضعف مخلوقاته: الدودة؛ لكي توقع العقوبة على الرجال الذين تجرؤوا على ارتكاب إحدى أشنع الكبائر بذرائع لا يمكن أن تبيح أمراً مُحرّماً، وإمعاناً من الراوي في التأكيد على ذلك حرص على تصوير الطريقة المأساوية لموت الرجل العاشر الذي لم يغفر له اعتكافه لعقود في المسجد الحرام ارتكابه للحرام. وللحديث بقية عن عجيب الوعظ في الحكايات الشعبية.