شكّل تنظيم وزيارة المعارض الفنية اهتماما مضاعفا وإقبالا متزايدا ما ضاعف بدوره خاصة في السنوات الأخيرة مستوى ذلك الاهتمام وأشفعه بالشغف المتزايد بالاقتناء خاصة وأن التأمل في الاعمال الفنية المطروحة للبيع قد زاد وتركّزت فيه ومنه وعليه أسواق الفن، ما استوجب طرح الكثير من الأسئلة المتعلّقة بعالم الاقتناء بدرجاته ومستوياته بين الفن والتسويق وبين التجارة والجماليات. وهي المسألة التي تؤرق المنظمين للمعارض المتاحة أعمالها للبيع، فمسألة تحديد أسعار الأعمال الفنية يجب أن تليها تفكيك فني وتقني ومادي للعمل المطروح لإدراك الجودة والمستوى الجمالي. غير أن كل ذلك لا ينفي أن بعض الأعمال الفنية التي بلغت مستويات تسعير أحيانا قياسية وغير معقولة خاصة إذا ما لحقها ضعف في بعض الخامات المستخدمة ورداءة في الكانفاس القماش المشتغل عليه العمل مع احتمالات تعرّضه للتلف مع مرور الزمن، وبالرغم من كل ذلك نرى أرقاما عالية جدا بخبرة بسيطة، وهو ما ينفر المقتني بسبب عدم تطابق الجودة مع هذه الأسعار. وهنا كثيرا ما يطرح السؤال المباشر والبديهي من يحدّد سعر العمل الفني هل هو المستوى الفني للعمل أو العارض نفسه أو الفنان، هل هو الخبير أو الناقد، وبالتالي فان النقاش الدائر مع المقتنين يرتكز على من يضع هذه الأرقام، ومن يسمح لهم بها ومن هم حتى نرى هذه الأسعار؟ وهل السوق الفني يسمح أن ترتفع أرقام أسعار أعمال الفنانين؟ إذا ما قسنا الجودة والعمل والمستوى الفني واسم الفنان وتوقيعه وتأكدنا من كل تلك التوافقات الأصيلة والأصلية فإن وضع السعر الفني يعود لخبير تقني فني وللفنان نفسه لأنه مطالب بوضع سعر للوحة الفنية باعتبارها من الأمور الجوهرية التي عليه كفنان تشكيلي الاهتمام بها، إذ يتطلب منه الأمر دراسة عدة عوامل قبل تحديد السعر النهائي لعمله الفني، ومن بين هذه العوامل الحجم والتقنية المستخدمة لأن ذلك يعتبر من العوامل الأساسية التي تؤثر في تحديد سعر العمل، حيث يعتبر العمل الفني الكبير ذو التقنية المعقدة أغلى من العمل صغير الحجم وذو التقنية البسيطة فالجداريات مثلا لها تقنياتها وأسلوبها ومستواها التعبيري طبعا إذا ما قسنا المضمون المشتغل عليه والمدرسة المبتكرة والتقنيات الفنية والأبعاد الجمالية المقصودة والتفرّد الأسلوبي واللوني ومستوى تحديد الفراغ وقيم الضوء ودرجات التركيب اللوني وأحجام الأيقونات ومقاصدها السيميائية وتفاعلها معا وهو ما يحتاج إلى جهد نقدي وخبرة جودة فنية. لذلك فإن السعر أيضا يتحدّد من خلال الخبرة والشهرة الفنية وهو مستوى الفنان الشخصي وقدراته الفنية وهذا يعتمد على حرفية الفنان التشكيلي وشهرته، فالفنان بمشاركاته واسمه وعلاقاته بالجالريهات ومشاركاته في المسابقات والمعارض الفنية وأماكن العرض، هو يخلق لنفسه شهره واسم بشكل ايجابي، فأيضا يعمل على دراسة السوق ودراسة مستوى العرض والطلب على الأعمال الفنية المماثلة لعمله والدخول في معترك المنافسة الفنية التي تضمن الجودة ومواكبتها محليا ودوليا، حيث يمكن أن يؤثر ذلك في تحديد سعر العمل الفني، وهنا تفرض الجودة في التقنية والمضمون أيضا والجودة في المواد المستخدمة، إذ يجب أن يأخذ الفنان التشكيلي بعين الاعتبار المواد المستخدمة في إنتاج العمل الفني مثل الألوان والأدوات لأنها تدخل في التكلفة إذا ما قسنا عليها التكلفة الزمنية والجهد المبذول للإنجاز، إضافة إلى المكان والزمان الذي يتم عرض العمل الفني فيه أين عرض؟. بعد دراسة تلك العوامل، يمكن للفنان التشكيلي تحديد سعر العمل الفني، ويجب عليه أيضا أن يحدد سعرًا مناسبًا يعكس قيمة العمل الفني ويتوافق مع الأسعار المتداولة في السوق، ويجب أن يكون السعر شفافًا ويشمل تكاليف الإنتاج والعمل والأرباح المتوقعة وهو ما يضمن للعمل ديمومته واستمراريته في السوق لأنه إذا خرج من عند الفنان بعد كل تلك التقييمات سيكون بين يدي جهة أخرى قد تعلي من سعره ولكن بطرق تجارة فنية أخرى يحدّدها السوق الفني وتقييمات المقتنين. * كاتب في الفنون البصرية