تعرف الحركة التشكيليّة في المغرب حالة ازدهار، يدلّ عليها تعدّد المدارس وكثرة الأسماء التي حقّقت لنفسها مكانة عربيّة وعالميّة. لكن سوق الفنّ غارقة في فوضى يصعب معها الحكم على النوعيّة الفنيّة بعيداً عن الضغوطات وأحكام الموضة. وفي الفترة الأخيرة عصفت بالفنّ التشكيلي في المملكة المغربية، أزمة فعليّة أدّت إلى اغلاق عدد مقلق من قاعات العرض، ما دفع بالنقاد وأهل الفنّ إلى اعادة النظر بمنطق السوق، وسلطة المحتكرين، وخطر المضاربات. واليوم تطرح على بساط البحث قضيّة جمهور الفنّ، بين الباحثين عن مكانة اجتماعية عن طريق اقتناء اللوحات، ومتذوّقي الفنّ الذين لا يملكون الامكانات المادية اللازمة لخلق حركة طلب فعليّة من شأنها أن تشكّل المرجعيّة الحيويّة المطلوبة. تشهد الحركة التشكيلية في المغرب فورة كبيرة، لكنها فورة تقترن بالكثير من التسيّب والفوضى، كما تقترن بسلطة المقتنين وهيمنة الأسماء الكبيرة. ونظراً لانعدام القوانين والتشريعات الرسمية في هذا المجال، فإن على الفنان الباحث عن نفسه وسط الزحام، اما الترقّب والانتظار أو الدخول في لعبة السوق، حيث يتحول الفن إلى سلعة على أيدي وسطاء من كلّ الأنواع. وحسب احصاءات غير رسميّة يؤكّدها معظم النقّاد والمعنيين، ثمة 560 فناناً تشكيلياً منتجاً في مختلف الأقاليم والاتجاهات والمدارس والأساليب والأجيال، منهم حوالي 400 متخرج من المعاهد والاكاديميات الفنية. إلا أن المجالات المتاحة، والأبواب المفتوحة لا تستفيد منها سوى مجموعة محدودة من "الكبار" الذين يحتكرون الأضواء وأعمدة الصحف منذ أعوام طويلة. ولا ينبغي أن ننسى أن التجربة التشكيلية المغربية - بالمعنى المعاصر للكلمة - تبقى على رغم ارتباطها بالتراث الشعبي وتقاليده العريقة، وعلى رغم ازدهارها الحالي، حديثة العهد نسبيّاً، لم يتوافر لها التراكم الكافي بالمعنى المعاصر للكلمة كي تنضج وتتجذّر في الممارسة الثقافية، وكي تكتسب التقاليد التي تحدّد السلوك الثقافي العام. وهي في ذلك تشبه مختلف الحركات التشكيليّة في العالم العربي، مع العلم أن المغرب يشهد تقدّماً ملحوظاً في هذا المجال. فنشأة الفنّ المغربي تعود إلى أواخر الثلاثينات، ويكاد يتفق الجميع على دخول هذه التجربة دائرة الأزمة، في السنوات الأخيرة، بسبب انتشار ظاهرة الدخلاء وتجار الفن على نحو مفزع. غير أن اخطر ما أنتجته هذه الظاهرة، هو "فقدان الصدقية". فالوضعية الاقتصادية الحرجة التي يجتازها المغرب، جعلت الفنان الذي يحدد للوحته سعراً مرتفعاً لدى عرضها، على استعداد لبيعها بعُشر ثمنها وما دون. وهذه النزعة جعلت عدد الغاليريهات وقاعات العرض المتخصّصة، يتقلص أكثر من النصف نتيجة الخسائر التي تكبدتها، حتّى صارت اليوم تعدّ على أصابع اليد الواحدة. هكذا تحوّلت "بصمات"، أكبر قاعات الدار البيضاء، مطعماً على سبيل المثال. حرب طاحنة ويصعب تحديد المرجعية التي تحدد ثمن اللوحة، وتتحكم بالتالي في السوق، في غياب بحوث ميدانية ترصد عمليات الانتاج والعرض، وطبيعة العلاقة بين الفنانين والمؤسسات الاقتصادية. فما هي هذه المرجعية؟ هل هي مكونات السوق التقليدية، أي العرض والطلب، أم التذوّق الفني؟ ما الذي يحدّد جودة منتوج فنّان معين؟ ثم ما هو دور الدولة في الحدّ من فوضى الأسعار؟ ولماذا لا تتدخل المراجع المختصّة في الادارة الرسميّة كطرف فاعل،، للحفاظ على قيمة العمل الفني بعيداً عن المضاربات؟ هذه الاسئلة وغيرها، حملتها "الوسط" إلى أطراف المعادلة الفنية، من فنانين ونقّاد وأصحاب قاعات، بحثاً عن اجابة تساهم في تحديد واقع سوق اللوحة في المغرب، أو تساهم - على الأقل - في فتح الحوار حول بعض الممارسات التي أضرّت كثيراً بالحركة التشكيلية المغربية، وهي تستند في الغالب إلى دوافع محض تجارية. يقول الناقد محمد أديب السلاوي، وهو أحد المقتنين ومؤسّس صالة "القافلة" المغلقة حالياً: "هناك قانون مغربي يفرض على الوزارات أن تنفق 1 في المئة من موازنة التجهيز في اقتناء اللوحات الفنية. إلا أن هذا القانون غير مُطبّق، وإن طُبّق ففي حالات نادرة جداً. ولا توجد ضريبة على اللوحة، ولكن هناك ضرائب على قاعات العرض باعتبارها مقاولات تجارية، فهي تتقاضى عادةً نسبة عمولة تتراوح بين 30 و40 في المئة. ومنذ العام 1986 دخل بعض المؤسسات المصرفية مجال الاستثمار في حقل الأعمال الفنية، مثل "بنك الوفاء" و"البنك الشعبي"، بما يتراوح بين 3 و5 ملايين درهم في العام الدولار يساوي 9 دراهم تقريباً. وفي حين اتجه المصرف الثاني إلى الأسماء القليلة المعروفة، تعامل الأوّل مع حوالي 20 اسماً جديداً من الشباب غير المشهورين على نطاق واسع. وكانت "أونا"، كبرى شركات القطاع الخاص في المغرب وافريقيا، دخلت السوق الفنية باستثمارات كبيرة بلغت حوالي 20 مليون درهم وهي بصدد اقامة متحف خاص بمقتنياتها. ويتابع السلاوي: "فكّرت، عند انشاء قاعة "القافلة" عام 1990 بايجاد سوق تشكيلية وطنية، وذلك بتنظيم معارض كبيرة تستوعب أكبر عدد ممكن من الفنانين الشباب، وغضّ النظر عن كلّ الاسماء المعروفة. انطلقت التجربة الأولى مع "صالون المحمدية" الذي شارك فيه 81 فناناً، فجاءت النتيجة مفاجئة لقاعات العرض ولوزارة الثقافة وللجمهور أيضاً. واكتشفنا فعلاً انه يمكن ايجاد سوق وطنية للفنّ المغربي وتقريب اللوحة من الجمهور، حيث تم بيع حوالي 90 عملاً لأناس يشترون اللوحة للمرة الاولى. ثم واصلنا التجربة في طنجة مع "المهرجان الوطني التشكيلي الأوّل" 1991، حيث وسّعنا المشاركة لتشمل 250 فناناً. وكانت الحصيلة بيع أكثر من 100 عمل تشكيلي". ساهمت تلك التجربة في اقامة سوق فعليّة للوحة، والتحكّم بالأسعار وفرض معايير عقلانيّة لها: "من الأسعار الخيالية التي تعدّ بالملايين نزلنا إلى أسعار تتراوح بين 600 و6000 درهم للوحة، فبعنا 600 لوحة ثم ألفاً ثم ألفين. وهنا بدأنا نواجه حرباً طاحنة من قبل القاعات أوّلاً، ومن قبل الفنانين المكرّسين أيضاً. كما ووجهنا بحملة شرسة من الصحافة والاعلام، لأننا أردنا فعلاً القضاء على هيمنة الأسماء الكبيرة وعلى الاحتكار". "وقبل أن نصل إلى الصالون الاول في مراكش - يواصل السلاوي - أي "صالون الشتاء" 1992، حاول الفنان عبداللطيف الزين أن يقوم بالتجربة نفسها، فاشترى لوحات بقيمة مليون درهم من أعمال الشباب، لكنه عمد إلى رفع الأسعار بنسبة عشرة أضعاف! وافتتح معرضاً للبيع بالتقسيط، على رغم فشل تجربة سابقة له هي "كريدي آرت" فنّ بالتقسيط. بعد الزين، دخل المنافسة رجل الأعمال عبدالهادي العلمي الذي استثمر أموالاً كثيرة 10 ملايين درهم، فوجدت نفسي خارج اللعبة، وقررت أن أتوقف موقتاً حتى تتضح الأمور. من ذلك الوقت اتجهت إلى الفنادق، فأقمت 70 معرضاً على الأقل". سوق وطنية للفن ولوضع اليد على المفارقات التي تنعكس خللاً على سوق اللوحة، يكفي أن نلقي نظرة على نشاطات المكرّسين. فالكبار يبيعون في الخارج: محمد شبعة، فريد بلكاهية، محمد القاسمي، فؤاد بلامين في باريس، محمد المليحي في باريس وأميركا، محمد بناني في سويسرا وكندا. لكنهم في المغرب يبيعون بأقل الاثمان من أجل العيش. ويتراوح معدل أسعار لوحات هؤلاء الفنانين بين 20 و40 ألف درهم. ويعتبر أحمد بن يسف أغلى اسم في المغرب، إذ سبق أن باع لوحة ب 100 ألف درهم، وهي الموجودة على الورقة النقدية المغربية من فئة 200 درهم. وكانت شعيبية باعت لوحة بالسعر نفسه تقريباً، في معرض أميركي أقامته خلال الثمانينات. وتبدو السوق المغربية بالنسبة إلى عدد من المراقبين، بينهم محمد أديب السلاوي، "جاهزة للاقتناء". حاول الأخير مثلاً أن يوزّع على محلات "الموبيليا" في الرباطوالدار البيضاء، بين 200 و250 لوحة، فكانت النتائج باهرة. "الزبائن الذين يشترون أثاث غرف نومهم، أصبحوا يجدون أمامهم عنصراً جماليّاً مكمّلاً. فكان أن دخلت اللوحة بيوت العمال والموظفين". ويشاركه الرأي ألبير بيلو 75 عاماً الرسام الفرنسي المقيم في الرباط منذ 1948، والذي يدير محلاً للأنتيكا وقاعة للعرض: "اللوحات المغربية تباع جيداً في فرنسا وأميركا والسعودية وبريطانيا وكندا والمانيا. الفنّان عالمي، والمهم ابداعه لا جنسيته، خصوصاً في مجال الفنون التشكيلية التي تعتبر مثل الموسيقى. هناك مغاربة يبيعون جيداً في فرنسا، ولو مارست هوايتي في فرنسا لبعت بأسعار أغلى. والفرنسيون الذين يعرضون في المغرب يضطرون لتخفيض أسعارهم. أنا في فرنسا أبيع لوحاتي بسعر أغلى، والأعمال الفنية عموماً غالية في فرنسا". ويعارض بيلو مبدأ تقنين السوق، أو فرض رقابة عليه من قبل الدولة. "من حسن الحظ" برأيه عدم وجود قوانين مغربية لبيع الأعمال الفنية، ف "القانون اذا تدخّل في الفن أفسده كما حدث في روسيا. والبلدان الوحيدة التي يعرف فيها الفن زخماً وازدهاراً، هي تلك التي يختار فيها الفنان أسعاره. في الفن لا يوجد معايير لتحديد الأسعار، فهناك لوحات تافهة بأثمان باهظة. ولا يمكن حصر الفنان بقواعد محددة دائماً. الأروقة والغاليريهات متّهمة باستغلال الفنان، لكن ما يحصل هو العكس تماماً. فالفنان هو الذي يبحث عن الرواق لضمان مستقبله، والرواق لا يحصل إلا على عمولته. وقليلة هي الأروقة التي تستمر، ف 95 في المئة منها لا تتمكّن من الصمود فكيف يمكن أن نتهمها بالاستغلال؟ لا بد من جهود خاصة وتدبير جيد للاستمرار، فضلاً عن حب المهنة". ويضيف ألبير بيلو: "من يشتري لوحة مغربية لا يجد أي عائق في اخراجها من البلاد، وقد يجد التزامات جمركية عليه اداؤها لادخال اللوحة إلى بلد آخر. أما منع التصدير في المغرب، فينطبق فقط على الأنتيكا التقليدية. يستحيل تقويم العمل الفني بشكل عام، فكيف يمكن لموظف أن يتدخل في الموضوع؟ الجمهور وحده يحدد قيمة العمل الفني". خدعة التجريد! ونسأله عن وضعية السوق حالياً، فيجيب: "الفن السيئ أدخل السوق في طريق مسدود. والصالات المهدّدة اليوم هي تلك التي راهنت على الفن الطليعي التجريدي، وهو ما حدث في فرنسا. فالناس ليسوا أغبياء ليشتروا لوحات لا تعني شيئاً. والغاليريهات التي انخدعت بهذا النوع من الفن، بدعوى أنه "معاصر"، وصلت إلى نهايتها الطبيعية. وأنا توقعت ذلك من قبل، فهو يحدث في كل أرجاء العالم. الفنانون الجيدون في ارتفاع، والتجريديون في تراجع، بعد أن أصبحت الغلبة للتشخيصيين. وأتوقع أن يكون مستقبل التشكيل المغربي في التشخيصية". ولكن كيف يجد الفنان التشكيلي المغربي هذه السوق؟ وهل هي مريحة فعلاً لأصحاب الأسماء الكبيرة؟ يقول محمد القاسمي: "لا أعتقد بوجود سوق للفن في المغرب أو في العالم العربي. فلكي تكون هناك سوق حقيقية للفن، ينبغي وجود نضج اجتماعي وعقلانية اقتصادية منتجة ومراجع وقواعد ثابتة، وأن تكون البنى الثقافية متماسكة، متكاملة. كما ينبغي وجود نوع من الهوس باللوحة وصانعيها. في المغرب لا وجود لمتاحف خاصة بالفنّ المعاصر مثلاً، ولا بدّ من سياسة ثقافية في هذا المجال. لذا أعتقد أننا حين نستعمل تسمية السوق، نقصد حركة محصورة ربما تهم بعض هواة الفنّ، وبعض الأفراد الساعين إلى الارتقاء اجتماعيّاً، واكتساب شرعيّة ما، من خلال اقتناء الأعمال الفنيّة. لكن معظم هؤلاء ليس لديه أي المام بأصول الفنّ ومدارسه وقواعده وتاريخه، وليس لديه أي مرجع ذوقي أو جمالي أو ثقافي يحدّد خياراته، أو يخوّله الحكم على ما يشتريه". ويمضي القاسمي في تشخيص حالة سوق الفنّ في الغرب: "هناك شريحة بدأت تقترب من الثقافة الفنية بشكل جيد إنّما غير منتظم. وهناك شريحة مثقفة كتّاب، أدباء، أساتذة، نقاد، جامعيّون، مبدعون... تهتمّ بالابداع التشكيلي وتحسن تذوّقه والاقبال عليه، لكن ليس لديها في الغالب الامكانات اللازمة للاقتناء. لذلك يبقى بيع اللوحات محصوراً في أوساط معينة: محامون، أطباء، رجال أعمال، مؤسسات. من هنا ينبغي البحث عن اماكن عامة كالمتاحف". لا بدّ من متحف وماذا عن المضاربات؟ "شخصياً، لا أعرف الكثير من المضاربين. ولكن أعرف أن هناك مضاربات بإسم الفن، هي مضاربات خاطئة. لأنه بدلاً من الاشتغال على ترسيخ الثقافة الفنية واحداث مؤسسات، أو التعاون على التفكير في صيغ مؤاتية لارساء تلك المؤسسات، نأخذ الجانب السهل في المنافسة أي التجارة. وما هي النتيجة؟ فنّ سطحي، استهلاكي، سهل التناول: مناظر طبيعية، أشياء فولكلورية واقعية بدائية، إلخ. أما الفن الخلاق، القائم على الابتكار والبحث ومحاولة تعميق الرؤيا وتطوير القوالب واللغات والأشكال... فيجد نفسه على الهامش، خارج دائرة الرواج والتداول". وحين نلفت نظره إلى ارتفاع ثمن لوحته، ما يجعلها صعبة المنال بالنسبة إلى كثيرين، يقاطعنا القاسمي: "أعمالي تباع قليلاً في المغرب نظراً لطبيعتها، وليس لارتفاع أسعارها. هناك مبتدئون يمكن أن يبيعوا أعمالهم أغلى مني بكثير. المشكلة تتعلّق بطبيعة العمل، ولولا متحف الفن الحديث الفرنسي ومتحف فال دومارن الباريسي اللذان اشتريا بعض أعمالي، إضافة إلى ما بعته في الخارج، لوقعت تحت ضغط أزمة مادية حادة. وذلك لسبب بسيط هو أنني لا أهتم بجانب السوق ولا بالمضاربات. فاهتمامي أقرب إلى الجانب المعنوي منه إلى الجانب المادي، مع العلم أنّه لا بدّ للفنّان المحترف من أن يبيع أعماله كي يعيش، كي يحصل على مقابل عمله، ويعزز دوره في المجتمع". "ولا بدّ قبل كلّ شيء، من مرجع فنيّ" يختم القاسمي. "مرجع يشارك في تحديد وفرز ما هو رديء ومتطفّل ومفروض على أسس مزيّفة، متسلّطة، وما تروّج له الموضة... عما هو جدّي وناضج وأصيل، ناتج عن عمليّة فنيّة معقّدة وتقنيّات وخلفيّات فكريّة وابداعيّة، وقادر على التفاعل مع الأفراد والتعبير عن الجماعة. وهذا المرجع هو بالضرورة "متحف الفنّ المعاصر" الذي يحتاجه المغرب أكثر من أي وقت مضى، والذي لا يمكن إلا أن ينعكس بشكل صحّي وديناميكي وعقلاني على الحركة الثقافية المغربية". دائرة الفنّ الفولكلوري أما أحمد بن سيف، فيجد في وضعية السوق الفنية تعبيراً عن "أزمة مناخ عام أولاً". فالفنان بنظره، "يراوح اليوم بين حدي معادلة الفقر/ الغنى. ووضعه الاقتصادي محكوم بالاعتباطيّة غالباً، مرتبط بعوامل واهية ومصادفات". ويوضح : "يجب الاعتراف بأن ازدهار الفن يرتبط بالدعم الاقتصادي. فالفنان فقير في العالم العربي، ونحن نحتاج إلى صندوق للدعم. اتكلم من الناحية الرسمية طبعاً. أما ما تقوم به مؤسسات ماليّة مستقلّة، ك "بنك الوفاء"، فهو أخطر شيء وأسهل شيء. يمكن تلخيص سياسة الدعم تلك بتوسيع دائرة الفن الفولكلوري، أي أنّها لا تؤدي أية رسالة ثقافيّة على المستوى الوطني. صحيح أن هناك معارض تمتلكها البنوك، وهناك شباب يعرضون. لكن ما الغرض من كلّ ذلك؟ وما انعكاساته على الحركة الفنيّة؟ القطاع الحرّ يجب أن تشمل قاعاته كل المدن، لا أن تكتفي بالتمركز في مدن معينة. فخارج قطبي الرباطوالدار البيضاء لا نجد شيئاً يذكر... أين المدن الأخرى؟ ما نصيبها من التنشيط ومن تدعيم الفضاءات الفنية؟ نحن نحتاج إلى قاعات في مراكش، في فاس، في تطوان، بمعنى توزيع عادل للقاعات. ولا بدّ من وجود معارض دائمة، ومعارض تتجول في المدن المغربية" سوق اللوحة: أسماء وأرقام الراحلان أحمد الشرقاوي 1934 - 1967 والجيلالي الغرباوي 1930 - 1971، لا يزالان الأكثر أهمية والأغلى في السوق. يصل عدد مقتني اللوحات إلى 120 شخصاً. رشيد الشرايبي صاحب قاعة "المرسم" باع حوالي 3000 لوحة. عبدالرحمن السرغيني، أحد المقتنين الكبار، كان يملك قبل وفاته منذ عامين، حوالي 500 لوحة للغرباوي فقط، وورثها عنه شقيقه وهو عازف عود أعمى. عبدالهادي العلمي صاحب سلسلة فنادق "ب. ل. م" يمتلك ما يفوق 400 لوحة. المحامي محمد برادة يمتلك قرابة 400 لوحة. محمد كريم العمراني، رئيس الحكومة المغربية الأسبق، يمتلك 300 لوحة تقريباً. وعندما كان مديراً لمؤسسة الفوسفات، كبرى شركات القطاع العام، اشترى للمؤسسة حوالي 1000 لوحة، ما جعلها تحوز مجموعة هائلة ونادرة من الأعمال المغربية. تليها في الأهميّة مؤسسة السكك الحديد، وكل من "بنك الوفاء" و"البنك الشعبي". رجل الاعمال عبدالعزيز العلمي يمتلك حوالي 300 لوحة. الفنادق تشتري، في الغالب، نسخاً من الأعمال. لا توجد قاعات عرض خاصة في فاس أو تطوان أو مكناس. أما في طنجة، المعروفة بتاريخها الثقافي العالمي، فنجد قاعة واحدة هي قاعة "فلاندريه" التي يديرها مستثمرون ايطاليون.