تعد المملكة العربية السعودية من الدول السبّاقة في الاهتمام بالمخطوطات من حيث جمعها وتحقيقها وترميمها وحفظها وإصدار الفهارس الخاصة بها، انطلاقاً من مكانتها الرائدة منذ عصور ما قبل الإسلام ومروراً بالعصور الإسلامية حتى وقتنا الحاضر، فهي موطن للعديد من الحضارات ومهد للرسالات السماوية، وتشير الإحصاءات إلى أن المملكة تمتلك أكثر من 27 % من مجموع المخطوطات العربية والإسلامية الأصلية في الدول العربية، إضافة إلى امتلاكها لأقسام مستقلة للمخطوطات في معظم المكتبات السعودية، ومعامل للترميم والصيانة باستخدام أحدث التقنيات، إضافةً إلى تشجيع تحقيق ونشر المخطوطات عن طريق دعم برامج الدراسات العليا في الجامعات، وإتاحة فهارس المخطوطات آلياً لجميع الباحثين من داخل المملكة وخارجها. مكتبة الملك فهد الوطنية السعودية رائدة في رصد وجمع المخطوطات، وقد أولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، رعاية خاصة لهذه المكتبة منذ ولادتها كمكتبة عامة في عام 1983 إلى أن تحولت إلى مكتبة وطنية تضاهي المكتبات العالمية. وتحرص المكتبة الوطنية على اقتناء النوادر والمخطوطات الأثرية فهي تمتلك ما يقارب 6000 مخطوطة أصلية ونادرة وثمينة، حيث شكلت المخطوطات ثروة فكرية ومعرفية وهي ترصد حياة البشر في المجتمعات المختلفة منذ أن عرف الإنسان الكتابة، كما تعد سجلاً صادقاً لتراث الشعوب وعاداتهم ونشاطاتهم وثقافاتهم ومراحل تطورهم والمتغيرات التي طرأت على حياتها. وتسابقت الدول في تسجيل وحفظ المخطوطات التي تضمها المكتبات الرسمية والخاصة، وأقرت المملكة العربية السعودية مشروعات لحماية التراث الثقافي الإنساني المخطوط. ومن أبرز ما تقتنيه مكتبة الملك فهد الوطنية من المخطوطات النادرة مصحفاً شبه كامل مكتوب على ورق الرق يعود للقرن الثالث الهجري -أي القرن التاسع الميلادي- مكتوب بخط الجليل والجليل الشامي، وهو ما يعرف الآن بالخط الكوفي، والخط الكوفي انتشر انتشاراً كبيراً في العصور المبكرة وخصت به المصاحف في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة تقريباً ومن حيث الشكل: اتخاذه الشكل الأفقي عكس ما هو معروف الآن بالشكل العامودي، ومن حيث الكم فلا توجد نسخة شبه كاملة مماثلة لهذا المصحف في أي مكتبة أو متحف بالمملكة العربية السعودية، قد يكون هناك شي مشابه له فقد يكون في ورقات متفرقة. لم تعرف البشرية كتاباً حظي بالعناية والاهتمام على مدى التاريخ مثل ما حظي به القرآن الكريم من الحرص على كتابته ورسم حروفه يظهر لنا بوضوح أن كتابة هذا المصحف كانت بالخط الكوفي والذي وصف بالجليل أو الجليل الشامي. *مديرة إدارة الشؤون الثقافية بمكتبة الملك فهد الوطنية رئيس تحرير مجلة أخبار المكتبة (من ورقة علمية قُدّمت في ندوة دولية في الأرجنتين)