في ضوء الأهمية الكبيرة التي تمثلها المخطوطات العربية الإسلامية، ودورها في تأصيل القيمة الحضارية لموروث الأمة، أولت المملكة العربية السعودية ممثلة في مكتبات الجامعات والمكتبات العامة ومنها مكتبة الملك عبد العزيز العامة، هذا الجانب عناية خاصة، إيمانًا بانعكاسه المباشر على مسيرة العمل الفكري والثقافي، وارتباطه بمنهجية الإثراء المعرفي المتوارث عبر الأجيال، فكان من نتائج هذا الاهتمام أن امتلكت المملكة أكثر من 27 % من مجموع المخطوطات العربية والإسلامية الأصلية في الدول العربية. وتعتبر جهود المملكة في العناية بالمخطوطات على مدى الخمسين عاماً الماضية جيدة حيث يتم ترميمها وإصدار الفهارس المطبوعة لها، من خلال الجامعات والمكتبات والمراكز المتخصصة، إلى جانب ما يملكه الأفراد منها، وقد أصدرت نظام حماية التراث المخطوط وتكليف مكتبة الملك فهد الوطنية بتطبيق هذا النظام، باعتبار مجموع المخطوطات الأصلية في الجامعات والمكتبات السعودية يصل إلى 150 ألف مخطوط أصلي، تمثل نسبة 27 % من مجموع المخطوطات في الدول العربية إضافةً إلى 188 ألف مخطوط مصور على ورق أو أفلام تغطي الفترة من القرن الرابع الهجري إلى القرن الثالث عشر. وبالنظر الى ما قدمته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة التي تقتني قرابة 12 ألف مخطوط منها 6,591 مخطوطاً أصلياً، حيث أسهمت المكتبة في البداية بفهرسة المخطوطات، وإدخالها في الحاسب الآلي، وإتاحة فهارسها عبر شبكة الإنترنت، مع طباعة فهارس ورقية لمخطوطاتها، وتقديمها للباحثين والمتخصصين. إضافة إلى إطلاقها لمركز الفهرس العربي الموحد أحد المشاريع الكبرى التي تصب في حفظ المحتوى التراثي العربي والإسلامي المعرفي، وهو مشروع ببليوجرافي يقدم خدماته عبر شبكة الإنترنت ويتيح لجميع المكتبات في الوطن العربي وخارجه إدخال فهارس مقتنياتها بما في ذلك فهارس المخطوطات، وفقاً لمعايير موحدة في الفهرسة معتمدة على نظام «مارك 21» لتبادل التسجيلات الببليوجرافية، والذي حقق حلمًا عربيًا يتمثل في إيجاد قاعدة بيانات واحدة وفهرس موحد لجميع المخطوطات العربية والإسلامية الموجودة في مكتبات العالم تمكن الباحثين من الاطلاع في الوقت الراهن على تسجيلات ببليوجرافية لأكثر من مئة ألف مخطوط أصلي عبر شبكة الإنترنت. ثم قدمت مشروع تصوير المخطوطات بنصوصها الكاملة رقميًا وإتاحتها إلكترونيًا على شبكة الإنترنت ضمن مشروع المكتبة الرقمية العربية التي تعمل مكتبة الملك عبدالعزيز العامة على تنفيذه بناء على البنية التحتية المتثملة في الفهرس العربي الموحد وأدواته، حيث أنجزت المكتبة تصوير جميع صفحات مخطوطاتها الأصلية والتي وصلت إلى مليوني صفحة رقمياً، وتعمل على أيضًا على رقمنة الكتب النادرة والأوعية التي تملك المكتبة حق إتاحتها، ولدى المكتبة خطة مستقبلية لعقد اتفاقات مع المكتبات الأخرى العربية والغربية للسماح لها بتصوير المخطوطات الإسلامية والعربية والكتب النادرة، وإتاحتها بنصوصها الكاملة ضمن مشروع المكتبة الرقمية العربية، إضافة إلى إمكانية الارتباط مع المكتبات التي تسعى إلى تصوير مخطوطاتها إلكترونياً كنوع من التبادل الثقافي والعلمي بين المكتبات السعودية والمكتبات الأخرى. والمتابع لتوزيع المخطوطات الإسلامية والعربية والتي يصل عددها إلى أكثر من أربعة ملايين مخطوط موجودة في أكثر من 100 دولة، يدرك أن المخطوطات الإسلامية تضررت كثيراً بفعل الفتن الداخلية والخلافات المذهبية والغزو الخارجي لكثير من الدول العربية والإسلامية والاستعمار الأجنبي لعدد منها، إلى جانب الكوارث الطبيعية والعوامل المناخية، وتأخر جهود الصيانة والترميم والفهرسة والتحقيق لعقود طويلة. إن الضعف الكبير في الاهتمام بالمخطوطات العربية والإسلامية في الوطن العربي، التي لا يتجاوز عددها 13 ٪ من مجموع هذه المخطوطات، إلى انتشار الأمية في العالم العربي لقرون عدة، ونقل مئات الآلاف من المخطوطات إلى تركيا في عهد الإمبراطورية العثمانية، التي امتد نفوذها في أجزاء كبيرة من الوطن العربي في ذلك الوقت، وقيام المستشرقين والرحالة الغربيين بنقل مئات المخطوطات القيمة إلى أوروبا في ظل تقدير المؤسسات الغربية لقيمة هذه المخطوطات، وهو الأمر الذي دفع بعدد من العلماء العرب إلى بيع ما يملكون من مخطوطات في المزادات التي تقام في عواصم أوروبا، مع تقديرنا البالغ للخدمات التي قدمها عدد من العلماء والمستشرقين الغربيين في رصد المخطوطات الإسلامية وإصدار فهارس مطبوعة لها، ومن ذلك ما قام به المستشرق الألماني بروكلمان من إصدار فهارس شاملة لهذه المخطوطات تتضمن أماكن وجودها، ورصد فؤاد سيزكين لمخطوطات القرون الأربعة الأولى والتي تمثل عصر ازدهار الحضارة الإسلامية. وأعتقد أن الوقت حان لأن تتوحد الجهود العربية للحفاظ على هذه القيمة الحضارية الكبيرة، لتصاحب النظرة التطلعية الكبيرة التي ينشدها القادة في الوطن العربي وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية