يُعد مخالفو نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود من أهم أبرز الفئات الاجتماعية التي تمثل مخاطر اجتماعية متنوعة، فقد أكد ذلك العديد من الدراسات التي أجريت في الكثير من دول العالم الجاذبة للهجرة، وتعرض تلك الدول للعديد من المخاطر الاجتماعية والأمنية، وتعتبر المملكة واحدة من دول العالم التي عانت وما زالت تعاني من مخاطر اجتماعية وأمنية ناتجة عن تنامي أعداد مخالفي نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود فيها. وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة من الأجهزة الأمنية للحد من تلك المخاطر إلاّ أن هناك تنامياً في أعداد تلك الفئة الاجتماعية ومخاطرها ويعود ذلك لمجموعة من العوامل المتنوعة والمتداخلة، من أبرزها ما يرتبط بعوامل بشرية تتمثل في عدم تعاون المواطنين والمقيمين مع رجال الأمن وتواطؤهم مع تلك الفئة أحياناً، والتستر عليهم أو توفير العمل لهم والتعاطف معهم، ومنها ما يرتبط بعوامل بيئية، كتوفير السكن العشوائي غير الخاضع للرقابة الأمنية، وتعدد صلاحيات الجهات المعنية بتنظيم السكن، ومن تلك العوامل ما يرتبط بعناصر الجذب المتنوعة التي تتميز فيها المملكة ومنها وفرة العمل وتعدد المهام بين الجهات الرقابية والضبطية، والجهات المانحة للتصاريح وآليات الاستقدام وسهولة تنقل المخالفين وغيرها من العوامل المتشابكة. «الرياض» تقرأ واقع مشكلة تنامي مخالفي نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود في سلسلة تحقيقاتها حول هذه القضية تحديد تلك العوامل، وتحديد مكامن الخلل، على الرغم من الجهود الجبارة التي تقوم بها وزارة الداخلية لحفظ الأمن للمواطن والمقيم، وتطرح بعض المقترحات لمعالجة المشكلة وتفادي مخاطرها، ثم تقديم تقييم إجرائي للإجراءات الوقائية المعمول فيها حالياً من حيث فعالياتها وملاءمتها للوضع الحالي، ووضع تصور مقترح لتفعيل البرامج الوقائية الحالية، واستحداث برامج وقائية عملية تتناسب مع تلك الفئات. وفي الجزء الثاني من سلسلة تحقيقات «الرياض» حول قضية «تنامي المخالفين» سنتناول موضوع «سكن العمالة» ودوره في تنامي أعداد المخالفين ورفع نسبة الجرائم المتعلقة بتلك الفئة باعتبار المسكن مصدر من مصادر الدخل للعمالة المخالفة وباعتباره مكاناً للتخفي والتستر على المخالفين بعيداً عن الرقابة وبُعده التام عن الارتباط بنظام أمني يحدد هوية الساكن كما هو معمول به في الفنادق والشقق المفروشة الخاضعة للرقابة الأمنية التامة. أوكار لتصنيع الخمور والتزوير والأطعمة المشبوهة وغسيل الأموال عبء كبير وتُعد مساكن العمالة مكاناً للتخفي من القانون والجهات الرقابية، ومصدراً آخر من مصادر الدخل، التي تدعم مخالفي نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود، واستمرار تواجدها وتناميها، حيث تؤكد السجلات الأمنية والضبطيات التي تعلنها وزارة الداخلية، أن الحملات الأمنية المشتركة ساهمت في كشف مساكن -أوكار- لتصنيع الخمور القاتلة، ومعامل لتزوير الوثائق الرسمية، وأختام شرط المناطق، والبلديات، والتصاريح المزورة، وتزوير العملات النقدية، إضافةً إلى تصنيع الأطعمة المشبوهة، وتهريب الخادمات، واستخدام عصابات التسول لتلك المساكن في تسكين الأطفال والنساء والمعوقين بغرض تشغليهم في التسول، إلى جانب تسكين المتسللين والهاربين من كفلائهم والمخالفين لنظام الإقامة والعمل وأمن الحدود، كما أثبتت السجلات الأمنية عن تسجيل تلك المواقع للعديد من الجرائم الجنائية، مثل جرائم انتحار بعض العاملين، وجرائم القتل نتيجة لخلافات شخصية بين العاملين، وتصفية الحسابات، وجرائم غسيل الأموال قبل تهريبها إلى الخارج. إلزام أمانات المناطق بالتخفيف على السجون بدفع تكاليف المقبوض عليهم وساهم تعدد الجهات المانحة لتصاريح مساكن العمالة، وعدم ربطها بنظام أمني يحدد هوية الساكن في ذلك الموقع، وعدم وجود موظف استقبال للتأكد من هوية الساكنين الداخلين والخارجين ونشاطهم الذي يتم بالداخل للمساهمة في حدوث تلك الجرائم الأمنية القاتلة، والمهددة للأمن الاجتماعي، والمشكلة تُعد عبئاً كبيراً على الجهات الأمنية في الضبط الأمني الذي يتم داخل غرف مغلقة ومظلمة لا يتم تفتيشها إلاّ بإذن رسمي من مقام أمارة المنطقة التي تقع في إطاره. عدم تنظيم وحسب المشهد العام وفي تحليل «الرياض» لمكان الخطورة لمساكن العمالة ودورها في تشكيل الخطورة الأمنية والاجتماعية، تعد أمانات المناطق، والبلديات الفرعية التابعة لها المسؤول الأول في تشكيل هذه الخطورة الأمنية، وتحميل الجهات الأمنية أعباء أخرى غير مهامها الرسمية في عملية الضبط الأمني، فعامل الخطورة الأمنية والاجتماعية نشأ بسبب تساهل أمانات المناطق ممثلة في بلدياتها الفرعية في قضية عدم تنظيم مساكن العمالة وانتشار مساكن العمالة العشوائي في الأحياء واستغلال المخالفين لتلك المواقع، والبلديات الفرعية تمنح التصريح لملاك العقار تحت بند سكن عمالة، سكن أفراد بعد تحديد اشتراطاتها ومنها ملكية العقار وصلاحيته للاستخدام كسكن دون طلب اشتراطات أمنية كاشتراط التسجيل في برنامج لتسجيل هوية الساكنين وربطهم بالجهات الأمنية، لتحديد هوية كل ساكن، وطبيعة عمله ونظامية إقامته، وكيف يتم استخدام هذا المواقع بعد التصريح، باعتبار ذلك ليس من مهام علمها؟ مما يسهم في حدوث الجرائم السابق ذكرها. من دون رقابة وكما أشرنا في طرحنا أن دور البلدية الفرعية في الحي ينتهي بحضور صاحب العقار الطالب للتصريح، واستكمال الرسوم، وشروط السكن، ومن ثم تنتهي مسؤولية الجهة المانحة للتصريح، لتنمو مشكلة الخطورة في أن الساكن يتم تأجيره باسم مواطن أو مؤسسة ويترك الأمر لمن يسكن دون التأكد من هويته كمثال حي الموقع يستخدم لصاحب عمالة مؤسسة، أو عمالة المواطنة فلانة، ومن ثم يترك الموقع من دون رقابة ويصبح الدخول المتاح للجميع دون استثناء مخالفاً أو غير مخالف، إلى جانب تأجير غرفة باسم شخص نظامي وبدوره يقوم بتأجيرها لعشرة ساكنين لحسابه الخاص، ومن ثم تنشأ الخطورة الأمنية وتحدث الجريمة، أو استخدام الموقع لغير ما وضع له، هذا بالنسبة للمواقع التي تحمل تصريح سكن، أمّا بقية المساكن التي لا تحمل تصاريح سكن فيتم تأجيرها دون الرجوع للبلدية ولا يتم الرقابة عليها حتى تقع كارثة أمنية أو صحية ويتم اكتشافها بالصدفة، أو يتم اكتشافها بعد تلقي مركز بلاغات الأمانة (940) من مواطن غيور على بلده، أو بلاغ مواطن متضرر من تواجد تلك العمالة بالقرب من منزله. قيود ومحاذير وأكدت الدراسات الاجتماعية والأمنية أن تنامي مساكن العمالة داخل الأحياء من دون تنظيم يؤدي للعديد من الآثار الأمنية والاجتماعية التي تضر بالفرد والمجتمع، حيث تشير تلك الدراسات أن وجود سكن للعمالة في وسط الأحياء السكنية يفقد تلك الأحياء الطمأنينة، ويجعل التواصل مشوباً بالحذر، وتغيّب الخصوصية التي تتمتع فيها الأحياء السكنية من مظاهر الهدوء والتواصل بين السكان اجتماعياً بشكل مستمر من خلال اللقاءات والزيارات ولعب الأطفال في الساحات والحدائق، إلاّ أن وجود سكن للعمال وسط الحي يقيد من حركة التواصل الاجتماعي بين ساكنيه، ويفرض قيوداً ومحاذير تحد من تواصلهم، وتضطر بعض الأسر إلى منع أطفالها من اللعب في الساحات القريبة التي يلتقي فيها أبناء الحارة، وتقلل من إنتاجية رب الأسرة في العمل أو المرأة العاملة الذين يخشون على أطفالهم ومنازلهم خلال بقائهم خارجها للعمل أو السفر بسبب الغرباء الملاصقين لمنازلهم من دون رقيب من الجهات المعنية. زيادة الحذر إن وجود غرباء في الحي يضيف على ذلك الحي عدم التوازن الاجتماعي، ويرفع من حالة الحذر مما يقيد حركة حياة الساكنين، ويمثل اعتداء على خصوصية الحي السكني الخاص بالعوائل، واختراق الأنظمة التي توجب منع مساكن العمالة والشركات والمؤسسات داخل الأحياء والسكنية خاصةً الملاصقة لمنازلهم وزحام سيارات تلك الشركات والمؤسسات والشاحنات لمنازل السكان وتشويهها للبيئة، فيما تؤكد الدراسات الأمنية وسجلات مراكز الشرطة أن غالبية مساكن العمالة خاصة داخل الأحياء السكنية تستخدم لإيواء مخالفي نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود، وأن تلك المساكن ثبت أن غالبيتها تستخدم لغير الغرض المخصص لها كمسكن، حيث تستخدم في تصنيع الخمور، وإخفاء المسروقات، وإيواء مخالفي أمن الحدود، وتصنيع وتخزين المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، وتوصي الدراسات الأمنية السكان القريبين من تلك المواقع وخاصة العائلات باتخاذ العديد من الإجراءات الأمنية ومنها تركيب كاميرات المراقبة، وعدم الخروج في الأوقات المتأخرة من الليل، والمسارعة في إبلاغ الجهات الأمنية عن أي تحركات مريبة أو سلوكيات قد تنبئ بالخطر. شركات أمنية وترتبط مشكلة المساكن العشوائية للعمالة داخل الأحياء السكنية بعدة جهات حكومية وأهلية، وتأتي في مقدمتها أمانات المناطق، والتي في الغالب لا تلزم أصحاب المباني باشتراطات مساكن العمالة، أو تكون تلك الاشتراطات روتينية لا يتقيد فيها أصحاب تلك المباني التي تقوم بتأجير تلك العمالة العشوائية وتسبب الخطورة الأمنية والاجتماعية السابقة للذكر، لذا يأتي دور أمانات المناطق ممثلة في البلديات الفرعية عاملاً أساسياً للحد من المخاطر الأمنية والاجتماعية للمخالفين من خلال المسارعة في تعديل اشتراطاتها الخاصة بتلك المساكن المتسببة في نشوء تلك المخاطر، كما نرى أن تحمل البلديات الفرعية مسؤولية المشاركة في تحمل الخسائر المادية والبشرية المترتبة من تلك المواقع بعد وقوع المشكلة، كتعويض سكان الأحياء المتضررين بعد ثبوت الضرر، إضافةً إلى تحمل أمانات المناطق مبالغ مالية تدفع لصالح المديرية العامة للسجون بوزارة الداخلية للتخفيف من المبالغ التي تصرف على مخالفي نظام الإقامة والعمل وأمن الحدود المقبوض عليهم في قضايا جنائية ويتم إبقاؤهم في السجون لفترات طويلة ويترتب على ذلك مبالغ مالية تصرف عليهم، إلى جانب إلزام أصحاب مساكن العمالة الممنوحة للتصريح بوضع شركات أمنية لحراسة تلك المواقع، وموظفي استقبال سعوديين لتأكد من عمليات الدخول والخروج وما يدار في الموقع قبل حدوث الكارثة. معايير سلامة ولابد من تحميل صاحب العقار ضريبة خاصة بالنظافة تدفع سنوياً للحفاظ على نظافة الحي الذي تقطنه العمالة، وللحفاظ على منع التشوه البصري، حيث ساهم تواجد العمالة في تكاثر القطط والكلاب والبعوض بسبب سوء النظافة والذي ترتب عليه أعباء إضافية على مؤسسات النظافة التابعة لأمانات المناطق، مع تطبيق العقوبات على المخالفين من الشركات والمؤسسات وأصحاب المباني التي لا تلتزم بتوفير تلك الاشتراطات، حيث يلحظ تدني مستوى الرقابة وعدم تدخل البلديات في الحد من هذه الفوضى، كذلك لابد من تفعيل دور المراكز الأمنية كمراكز شرط الأحياء والرقابة على تلك المساكن الواقعة في حدودها الإدارية، وكذا تفعيل مراقبة مراكز الدفاع المدني، حيث يلحظ ندرة تحرك تلك الجهات حتى تقع المشكلة كوقوع حريق في الموقع، أو اكتشاف أن الموقع المؤجر يستخدم لغير غرض المسكن، كتلقي بلاغ من أحد المتضررين من السكان، لذا يتوجب قيام مراكز الشرط في كل حي برقابة استمرارية على تلك المواقع، وكذلك على مراكز الدفاع المدني، والتأكد بين فترة وأخرى أن تلك المواقع تلتزم بمعايير السلامة، حيث يلحظ العبث في عدادات الكهرباء والتسليك العشوائي في غالبية تلك المواقع. سكن مناسب ومن الحلول أيضاً؛ على الجهات التي تمنح الشركات أو المؤسسات عقود عمل طويلة أو قصيرة الأجل أن تتأكد أن تلك الشركات والمؤسسات قامت بتوفير السكن المناسب لعمّالها قبل منحها تلك العقود، وأن تلك العمالة تقع تحت كفالتها جميعاً، ويكون هناك كشف بأسماء السكان، وتتم الرقابة بين حين وآخر، ويربط صرف مستحقات تلك الشركات والمؤسسات بهذا الشرط، على أن تتحمل الشركة أو المؤسسات أي تبعات أو شكاوى من سكان الحي، أو أي قضايا أمنية وجنائية ترتكب داخل السكن، وتكون مسؤولة مسؤولية تامة أمام الجهات الأمنية والقضائية عن تلك المشكلة. ومن المشكلات عدم ربط عقود الإيجار باسم الشركة أو المؤسسة فقط، بل يجب أن يتضمن أسماء جميع الساكنين في تلك المنشأة ويتم ربطها بالجهات الأمنية مباشرة كالنظام المعمول فيه في الفنادق والشقق المفروشة، حتى لا يتم إسكان مجهولي الهوية ومخالفي نظام الحدود والإقامة والعمل، إلى جانب تكثيف الحملات الأمنية ومنحها الصلاحية في دخول المساكن وتفتيشها، ويبقى الحل الأمثل والفوري والأسرع بوضع مجمعات متلاصقة في كل حي خاصة بالساكنين من العمالة، وعدم تشتتها في شارع معين أو أطراف الحي، وإذا أمكن يكون الموقع مربوطاً ببوابة للدخول والخروج يخضع للشركة الأمنية، وهذا يسهل بشكل كبير في التخفيف على الجهات الأمنية المنفذة للحملات الأمنية المشتركة، ويسهم بشكل كبير في التعامل مع الأزمات الأمنية، ويسهم بشكل كبير بإشعار المقيمين الأفراد بقوة الضبط الأمني، وتطبيق العقوبات على المخالفين، فيكون ذلك عاملاً كبيراً لشعور المقيم بأهمية الالتزام بالأنظمة والقوانين التي تم استخدامه لغرضها، ويحد ذلك من عمليات التستر والتأشيرات الحرة، والعمل العشوائي للعمالة في الشوارع والطرقات، كما يحد في التقليل من نمو الأحياء التي تفرخ الجريمة. تحويل سكن عمالة إلى عيادة لعلاج المخالفين محاولة هروب فاشلة لمقيم في سكن عشوائي مخالفو أحد المساكن في قبضة الأمن القبض على مقيم أدار موقعاً للدعارة داخل شقة قراءة - د. مناحي الشيباني