قال أكاديميون ومختصون ونفسيون واجتماعيون إن غياب الإحصائيات ونقص الدراسات الميدانية العلمية التي من شأنها أن تحل أي ظاهرة سلبية، فاقم مشكلة العزاب والعمالة الوافدة في المملكة. وقالوا ل «اليوم» ضمن الملف الشهري الخامس عشر «العزاب .. الملف الوطني التائه!» : إن الدراسات البحثية تضع برامج لتحليل المشكلة وإيجاد حلول لها, مشيرين إلى أن هناك تناميا في عدد العزاب داخل المملكة سواء من المواطنين أو العمالة الوافدة, وهذا التنامي يوجد أزمة سكن جديدة تؤثر على توازن المجتمع. وأكدوا أن وجود هذه العمالة وسط الحياة العائلية له آثار سلبية تهدد أمن واستقرار ساكني هذه الأحياء السكنية من الناحية النفسية والاجتماعية، مثل الممارسات والسلوكيات السلبية من سرقات واعتداءات ومخالفات أخرى. ولفتوا إلى أن سكن العزاب في أحياء مخصصة لهم خارج نطاق الأحياء السكنية يسهل السيطرة عليهم خاصة العمالة ومراقبتهم عكس ما إذا كانت مندسة بين الأحياء السكنية. في البداية، أكد الدكتور عبدالعزيز المطوع أستاذ الارشاد النفسي بجامعة الدمام، أنه نادرا ما يخلو حي من وجود منازل قديمة تسكنها عمالة وافدة وبأعداد كبيرة, وإن خلا الحي من المنازل القديمة ظهر به تأجير غرفة السائق أو تركها مجمعا لأصدقاء السائق دون رقيب، وهي ظاهرة سلبية ومتنامية تخلف كثيرا من المخاطر الأمنية والاجتماعية والصحية والبيئية. وأوضح أن هذه العمالة وبحكم أعدادها الكبيرة تشكل خطرا وقلقا أمنيا على أصحاب المنازل المجاورة لهم بما فيها من أطفال ونساء وخادمات، وبالأخص في أوقات غياب أصحاب المنازل وأثناء دخول هؤلاء العمال وخروجهم، وهذه الأعداد الكبيرة مصدر إزعاج للسكان المجاورين، فضلا عما قد يتركونه من سلوكيات سيئة كالتدخين أمام الأطفال. وفيما يتعلق بأسباب تفشي الظاهرة، يرى المطوع أنها بسبب غياب توعية هذه العمالة بأنظمة البلاد والسلوكيات المفترض أن يلتزم بها الوافد، مضيفا: الاشكالية تكون معهم بسبب اختلاف الثقافة الفرعية الموجهة لسلوكياتهم في حين تغيب توعية الوافد بالأنظمة فيتبع ما تمليه عليه ثقافته, إضافة إلى أن غالبية الأحياء تشكو من عشوائية التكوين الثقافي، حيث يندر وجود عمدة الحي باستثناء منطقة الحجاز وغياب مجالس الحي. وأشار المطوع إلى أهمية دور المواطن في عدم السماح بالتهاون في تأجير المساكن وسط الأحياء العائلية للعمالة الوافدة أو تركهم دون رقابة، وقد يكون من المحتمل أن يحول هؤلاء العمالة البيوت التي يسكنونها إلى أوكار للتزوير، وصناعة المسكرات وغيرها من المخالفات. من جانبه، أكد أبو بكر قادر أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز، أن وجود مساكن العمالة في وسط الأحياء السكنية يفقد الأحياء الطمأنينة التي تمكن ساكنيها من التواصل دون محاذير، موضحا أن الخصوصية والهدوء أهم ما تتمتع به الأحياء السكنية لدينا، حيث نجد عدم تقبل سكن الحي العزاب السعوديين - من يحملون الثقافة الاجتماعية نفسها - توجسا من اختراق خصوصية الحي السكني الخاص بالعوائل, فكيف الحال مع العزاب من العمالة الوافدة الذين يحملون ثقافات مختلفة تحدث عدم توازن اجتماعي في الحي. ولفت إلى أن وجود سكن للعمال في وسط الحي يقيد حركة التواصل الاجتماعي بين ساكنيه، وبالأخص النساء والأطفال، حيث يضطر بعض الأسر إلى منع أطفالهم من اللعب في ساحات الحي. واقترح قادر أن تكون هناك أحياء مخصصة للعزاب خارج نطاق الأحياء السكنية وتكون متكاملة من ملاعب ومساكن يسمح للتجار بالعمل عليها من ناحية البناء والاستثمار فيها وتكون أكثر خصوصية وفيها أكثر من حركة تجارية وتوفير وسائل رياضية، إضافة إلى المحلات المتخصصة، وبالتالي لن يجد أصحاب العائلة انزعاجا وبالأخص العمال العزاب التابعين لبعض الشركات والمؤسسات التي تقوم بتأجير مساكن للعمال التابعين لها داخل الأحياء, إضافة إلى تخصيص أماكن لسكن العمال تكون خارج نطاق الأحياء السكنية وهذا يسهل السيطرة على العمالة المخالفة والرقابة عليهم بعكس ما إذا كانوا مندسين بين الأحياء السكنية. من جهته، طالب المستشار النفسي والتربوي جزاء بن مرزوق المطيري رئيس اللجنة النفسية بالغرفة التجارية والصناعية بجدة، بتخصيص مساكن خاصة للعمالة الوافدة العزاب على هيئة مجمعات سكنية مستقلة وبعيدة عن الأحياء السكنية العائلية، على أن تكون تحت إشراف مباشر من الجهات المسؤولة أو المشرفة عليهم، مشيرا إلى أن وجود هذه العمالة وسط الحياة العائلية لها آثار سلبية تهدد أمن واستقرار ساكني هذه الأحياء السكنية من الناحية النفسية والاجتماعية، منها على سبيل المثال الجرائم اللاخلاقية والممارسات والسلوكيات السلبية من سرقات واعتداءات ومخدرات. وقال المطيري : من أسباب ارتكاب هذه النوعية من العمالة للجرائم والممارسات السلبية، التي من الممكن أن تحولهم لمجرمين، فقدان التفاعل والتواصل الاجتماعي والأسري مع المجتمع الذي يعيشون فيه، ابتعادهم عن ممارسة حياتهم الزوجية لسنوات أو أشهر طويلة خاصة أن أغلبيتهم من الفئة الشابة ويملكون طاقة وحيوية عالية لا تفرغ في موضعها الصحيح. وأضاف : لا ننسى اختلاف العادات والثقافات خاصة أن هناك من الممارسات والعادات التي تعد أمرا طبيعيا وغير مستنكر في مجتمعهم وثقافتهم الأصلية، تفكيرهم السلبي أنهم بعيدون عن مجتمعهم، وبالتالي ما يقومون به من ممارسات سلبية لا يجدون فيه حرجا أو عيبا خاصة غير المسلمين منهم، حياة الفقر التي يعيشها أغلبيتهم في مساكنهم إلى جانب أن بعضا منهم في كثير من الأحيان لا يجد قوت يومه وفي الوقت نفسه رؤيتهم من هم حولهم من ساكني الأحياء في حياة مرفهة وغنية. وأوضح المطيري أن الحلول المناسبة والناجعة تكمن في مجموعة الحلول التالية: تعاون جميع الجهات الحكومية ذات العلاقة في الزام أصحاب العمل وممن لديهم عمالة وافدة من فئة العزاب بانشاء مجمعات سكنية مستقلة وبعيدة عن الأحياء السكنية العائلية، على أن تكون تحت إشراف الكفيل بشكل مباشر أو تعيين مشرف على هذه المجمعات، وتكون بمتابعة مباشرة أيضا من الجهات الأمنية، تحديد بعض المناطق والأحياء غير المأهولة بكثافة سكانية لتكون مقرا لسكنهم، مردفا : يجب مطالبة أصحاب العمل باستقدام أسرة العامل بهدف استقراره النفسي والاجتماعي، منح العامل إجازة سنوية وعدم إبقائه سنوات أو أشهرا طويلة بعيدا عن أسرته، عمل دراسات وأبحاث من مراكز الأحياء عن هذه الظاهرة ومعالجتها بشكل علمي مدروس. من جانبه، أرجع محمد العويس - عمدة حي الثعالبة مركز شرطة البلد - انتشار ظاهرة سكن العمالة داخل الأحياء السكانية إلى غياب الرقابة عنهم ما يسمح لهم بممارسة عدد من الأنشطة التجارية داخل الحي, ومنهم من يحولون منازلهم إلى مناطق عمل، حيث تجد داخل تلك البيوت مصانع تعبئة ومشاغل خياطة وكل تلك الأنشطة دون تراخيص. وزاد العويس : إن لهذه الظاهرة انعكاسات سلبية كبيرة داخل الحي فيصعب إدارتهم أو إخلاء منازلهم, وكذلك مخاطر أمنية فتجد سكن الحي في قلق تجاه هذه العمالة وما قد يقومون به من سرقات واعتداءات على المواطنين من أجل المكاسب السريعة, والأهم انعكاسها على الحياة الاجتماعية داخل الحي من اقتحام لخصوصية عائلات الحي وتوجس الأهالي من خروج الأطفال للعب في الأماكن القريبة خوفا من هذه العمالة وما قد تتركه سلوكياتهم من أثر سلبي على الأطفال. وطالب العويس بأن تقوم الجهات المعنية بدراسة الكثافة السكانية للعمالة في أحياء بعينها وما تفرزه من مشاكل، ووضع حلول رادعة من نمو الأعداد الهائلة للعمالة الوافدة، وإعادة النظر في مستوى العمالة التي يسمح باستقدامها, إضافة إلى تكثيف الحملات الأمنية ليكون لها دور في الحد من وجود العمالة المخالفة التي تسكن كمجموعات في بعض الأحياء، خاصة الشعبية منها, وكذلك تشديد الرقابة على مكاتب العقار وعدم السماح لها بتسكين العمالة وسط العوائل، إضافة الى إغلاق غير المرخص منها, والزام أصحاب الشركات ببناء مساكن أو مجمعات سكنية خاصة بعمالهم خارج نطاق الأحياء تراعى فيها أعدادهم الكبيرة. في السياق نفسه، أكد حسين حارث رئيس العلاقات العامة والاعلام بالجمعية الخيرية لمساعدة الشباب على الزواج والتوجيه الأسري بجدة، أن هناك غيابا كبيرا للإحصائيات ونقصا في الدراسات التي من شأنها أن تحل أي ظاهرة سلبية، حيث توضع برامج لدراستها وإيجاد حلول لها. وأشار حارث إلى أن هناك تناميا في عدد العزاب داخل المملكة سواء من المواطنين أو العمالة الوافدة, وهذا التنامي يوجد أزمة سكن جديدة تؤثر على توازن المجتمع، حيث قد يضطر هؤلاء العزاب إلى السكن داخل الأحياء السكنية ما يسبب اقتحاما أو اعتداء على خصوصية تلك الأحياء كما يعتقد ساكنوها. واقترح حارث بتوفير مساكن مخصصة للعزاب يتوافر بها جميع احتياجاتهم من محلات تجارية ومراكز صحية وترفيهية بالقرب من مقرات أعمالهم وتكون خارج نطاق الأحياء السكنية. وأوضح حارث أن تلك المساكن سترضي جميع الأطراف بحيث توفر للعزاب احتياجاتهم وتمكنهم من ممارسة جميع الأنشطة دون التسبب في ازعاج سكن الحي, وكذلك يسهل للجهات الأمنية مراقبة أنشطة أولئك العمال بشكل أفضل وأسهل.