حين أقرأ روايات تحمل عبق جيل مضى.. سواء في الأدب الغربي أو العربي.. حين تسلب لبي حكايات الخمسينات السبعينات الثمانينات.. حين أتأمل زادنا الثقافي المتنوع الخصب الذي قطعنا به رحلتنا منذ أول رواية قرأها جيلنا.. وتلك الأسماء الأدبية المهيبة.. والأعمال الروائية الخالدة.. أتساءل أي جدب ثقافي يعيشه أبناء هذا الجيل!! تسري في دماء ذاكرتنا تفاصيل مكتوبة بأقلام فذة.. كالمبضع لامس جراحنا.. أزاحت واقعنا المستشري بالأوهام والقيود الضحلة الرؤى.. فتحت تلك الأقلام لنا آفاق فاتسعت مداركنا.. كبرنا ونحن نمتلك مخيلة زاخرة تتيح لنا فسحة من العيش على صفحات صفراء اللون وبين فصول روايات حملت هموم جيل ومعاناة أوطان وصراعات مجتمعات ونزاعات مشاعر وتخبطات مبادىء.. لقد صقلتنا الكتب.. كانت الكتب كالأشجار تحف مسيرتنا.. هل سنقرأ روايات تصب هذا الجيل وتسكبه بإبداع بين صفحات الكتب..! أين هذا الجيل من أجيال وثقت صراعات.. وبلورت مراحل تكوينها في حكايات ذات أبعاد عميقة.. نحن نملك أرشيفاً متنوعاً من كل جهات العالم نعود فيه لحقب مضت.. وملامح رسخت وأخرى تبدلت وكثير مما اندثر.. لدينا مرجع مكتوب لصورة مجتمعاتنا.. نعود إليه كلما مسنا الحنين.. تحيط بنا مكتبات جمة تحتفظ بروح عصرنا وملامح جيلنا كلما تعطشنا إليها أبحرنا في رواية من ذاك الزمن.. نحن أمام جيل أخشى أن يفوته توثيق هذا التحول العظيم في عصره..!! نفتقر لروايات حقيقية تنتمي لهذه الألفية.. لحضارة الرؤية.. ترى من سيوثق أدب هذا الجيل؟ القلم أم الكاميرا؟! جيل اهتم بتوثيق الصورة.. أكثر من الكلمة! هل يعد بصياغة روح هذا العصر لمن سيبحث مستقبلاً عن تفاصيله؟ ترى من سيزوره الحنين منهم بعد سنوات.. هل سيشفي غليله التأمل في صورة..؟! هل هناك ما يعوض الكلمات؟! هل يمكن للصورة أن تبوح؟! أم أنها جبلت على تجميد اللحظة وتأطيرها.. لاشيء كالكلمة تحول اللحظة لصورة ترتسم في المخيلة تفكك أسرارا ويخبأ أخرى تحت المعنى.. الصورة التي تمنحها لنا الكلمة لا تشبه الصورة التي تنقلها الكاميرا.. الكلمة تمنح مخيلة كل واحد منا صوراً متفردة مختلفة وخاصة.. لذات اللحظة.. ألواني لا تشبه ألوانك وزاويته لا تشبه زاويتك.. وهكذا.. بالكلمات تمر علينا الحكايات تحمل نفس الهموم بوجوه مختلفة، بمشاعر مختلفة.. تختلف معها القراءات، قد نختار نفس الحكاية لكن تخرج أنت بصورة لم تطرأ على مخيلة قلبي، ولم يصوغها فكري! فنعيش التنوع الثقافي والثراء الروحي من خلال القراءة من خلال الكتابة. نحن أثرياء بحوزتنا كنوز أدبية، أشعر بالأسف لهذا الجيل، يلهو بكاميرته.. يتوهم أنه يخلد اللحظة دون أن يدرك خطر تفويت الكلمة.. جيل يعيش في ذاكرة رقمية، لا رائحة للحظاتها ولا ملمس لأحاسيسها! معرضة لفيروسات النسيان في أي لحظة، مهددة بالتلاشي. الصور.. بدون تاريخ يدون خلفها أو عبارة توثق تفاصليها كورقة باهتة سقطت في غابة الذكريات لا تدري إلى أي منها تنتمي، لا تحمل هوية تضخ فيها الحياة!