ترددت أصداء القصف المدفعي في الخرطوم مع احتدام القتال، في أعقاب انهيار الهدنة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، الذي استقدم تعزيزات إلى العاصمة، غداة فرض واشنطن عقوبات على طرفي النزاع. ومدّد مجلس الأمن الدولي الجمعة لستة أشهر المهمة السياسية للأمم المتحدة في السودان، بعدما اتّهم قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان المبعوث الأممي فولكر بيرتيس، بالإسهام في تأجيج النزاع. وفي قرار مقتضب، وافق مجلس الأمن بالإجماع على تمديد تفويض "بعثة الأممالمتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان" حتى الثالث من ديسمبر 2023. ويعكس اقتصار تمديد التفويض على هذه المدة القصيرة مدى دقة الأوضاع في البلاد. ميدانيا، تحدث شهود عن "قصف مدفعي" على جنوب العاصمة السودانية، بينما دارت اشتباكات في شرقها، وذلك بعدما تحدّث سكان في وقت مبكر، عن قصف مدفعي قرب مبنى الإذاعة والتلفزيون في ضاحية أم درمان. تشهد الخرطوم ومناطق أخرى في السودان معارك عنيفة منذ 15 أبريل بين الجيش بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي". وأودت المعارك بأكثر من 1800 شخص، بينما أفادت الأممالمتحدة بأن أكثر من 1,2 مليون آخرين نزحوا داخليا ولجأ أكثر من نصف مليون شخص إلى الخارج. وتوصل الجانبان إلى اتفاقات تهدئة عدة كان آخرها خلال محادثات في مدينة جدة، بوساطة سعودية - أميركية. لكنها سرعان ما تنهار في كل مرة، وتتجدد الاشتباكات خصوصا في الخرطوم وإقليم دارفور غربي البلاد. وفي ما يبدو تمهيدا لتصعيد إضافي محتمل في أعمال العنف، أعلن الجيش استقدام تعزيزات للمشاركة "في عمليات منطقة الخرطوم المركزية". وأشارت المحللة السودانية خلود خير من مركز "كونفلوانس أدفايزوري" ومقره الخرطوم، إلى أن الجيش يعتزم "شن هجوم واسع قريبا (ضد قوات الدعم). وكان قد أعلن الجيش تعليق مشاركته في المحادثات المستمرة منذ أسابيع، متهما قوات الدعم بعدم الإيفاء بالتزاماتها باحترام الهدنة، والانسحاب من المستشفيات ومنازل السكان. مكاسب قبل التفاوض أعلنت الخارجية الأميركية أن الوزير أنتوني بلينكن سيزور المملكة بين السادس من يونيو والثامن منه، وسيتطرق مع المسؤولين إلى "التعاون الاستراتيجي" بين البلدين في القضايا الإقليمية والثنائية. وبعدما حمّلت طرفي النزاع مسؤولية انهيار الهدنة والمحادثات في جدّة، أعلنت واشنطن الخميس فرض عقوبات على شركات وقيود على تأشيرات الدخول لمسؤولين على ارتباط بطرفي النزاع. وتستهدف العقوبات الاقتصادية الكثير من الشركات في قطاعات الصناعة والدفاع والتسلح بينها شركة "سودان ماستر تكنولوجي" التي تدعم الجيش. وبالنسبة إلى قوات الدعم، فرضت واشنطن عقوبات على شركة الجنيد للمناجم، التي تدير مناجم ذهب عدة في إقليم دارفور، وتوفّر تمويلا للقوات. ويشكك محللون في جدوى العقوبات الأميركية على الطرفين، اللذين يمسكان بمفاصل التحايل عليها، كما جرى في ظل العقوبات الدولية خلال حقبة الرئيس السابق عمر البشير، الذي حكم البلاد ثلاثة عقود قبل أن يطيحه انقلاب عسكري عام 2019. وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جايك ساليفان، إن "حمام الدم" في الخرطوم ودارفور "مروّع". وأشار الى أن خرق الهدنة الأخيرة "زاد مخاوفنا من نزاع طويل ومعاناة كبيرة للشعب السوداني". منذ بدء العنف، لم يحقق أي من الجانبين تقدما ميدانيا ملموسا على حساب الآخر، أو خرقا في موازين القوى. ورأت المحللة خير، أن الجيش يرغب في تحقيق "بعض المكاسب العسكرية قبل الالتزام بأي محادثات مستقبلية، بهدف تحسين موقعه" على طاولة المفاوضات. وبعيد إعلانه تعليق مشاركته في محادثات جدة، قصف الجيش بالمدفعية الثقيلة مواقع لقوات الدعم جنوبيالخرطوم، ما أدى الى مقتل 18 شخص. استهداف هاربين هدفت محادثات جدة إلى توفير ممرات آمنة، تتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال وإيصال مساعدات إنسانية. وفرّ مئات الآلاف من السودان إلى دول الجوار، منها تشاد الحدودية مع إقليم دارفور. ونقلت منظمة "أطباء بلا حدود" عن لاجئين إلى تشاد قولهم، إن "مسلحين كانوا يطلقون النار على الأشخاص الساعين للفرار... وإن قرى تعرضت للنهب، وإن جرحى توفوا جراء إصاباتهم". وحذّر منسق الطوارئ في المنظمة كريستوف غارنييه، من أن بدء موسم الأمطار يهدد بمصاعب إضافية. وقال "مع بداية موسم الأمطار، ستزيد سوءا ظروف الحياة غير المستقرة أساسا في المخيمات العشوائية، وسيعقّد فيضان الأنهر إمكانية التحرك والتموين". وشدد المدير القطري للمجلس النروجي للاجئين وليام كارتر، على الحاجة إلى "قيادة إقليمية وقارّية لحلّ" الأزمة. وتواجه أعمال الإغاثة مصاعب جمّة، منها غياب الممرات الآمنة وعرقلة الجمارك المساعدات التي تصل جوّا، وعدم منح العاملين الأجانب تأشيرات دخول، لتعويض نقص المحليين الذين اضطروا للنزوح أو الاحتماء في منازلهم. كما تستمر أعمال النهب والسرقة خصوصا لمقار المنظمات الأممية ومخازنها. ودانت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي الخميس "أعمال نهب أصول وأغذية برنامج الأغذية العالمي، التي تجري الآن في الأبيض (شمال كردفان)"، مضيفة عبر تويتر "تعرضت مستودعاتنا للهجوم، والغذاء الذي يكفي 4,4 ملايين شخص معرض للخطر". حسب الأممالمتحدة، بات السودان الذي كان من أكثر دول العالم معاناة حتى قبل النزاع، أمام وضع "كارثي"، في ظل خروج ثلاثة أرباع المستشفيات عن الخدمة، فيما تحتاج 25 مليون نسمة (أكثر من نصف السكان) إلى مساعدات إنسانية.