أفكار عميقة ذات السهل الممتنع، في بيت يسكنه التاريخ والتاريخ يسكنه، وتفوح منه رائحة الماضي بكل ما فيها من عبق يعشقه جيلنا الماضي، يقابلك الفنان التشكيلي عبد الرحمن الزاحم، المشهور لدى أهل القصب وشقراء ب»السريالي»، نسبة إلى رائد الفن السريالي سلفادور دالي، ربما لأن لوحات الزاحم تحتاج من المشاهد لإعمال عقله وذهنه، وليس مجرد الاكتفاء بالمشاهدة. بابتسامته الودودة الطيبة، قابلنا الزاحم، في بيت أسرته القديم، الذي اتخذ منه مرسماً دائماً للوحاته، وأنفق عليه الكثير ليصبح مكاناً أشبه بالإستديو والمعرض المفتوح، وزينه بالإضاءة التي تجعله يضج بالحياة عندما ينسج الليل خيوطه، ويغيب القمر عن الظهور. ليت البشر كالشجر، هذه العبارة رددها الزاحم أمامنا كثيراً وهو يشرح المغزى الكامن في الشجر المتشابك أمامه الموضوع على أكثر من طاولة خشبية، فقد رأى أن الشجر يتشابك تحت الأرض، كأنه يبحث عن الأمان، وتمنى أن يصبح هذا حال البشر، فيلقى كل منهم الأمان في حضن أخيه، بدلاً من قساوة القلب والتباعد. «السيطرة على العقول» في لوحة تتشابك فيها الحلقات، نرى المعنى الذي أراده الفنان مختفياً وراء الألوان، فهو يشير إلى استلاب العقول والسيطرة عليها، ويرمز لذلك بالحية، وكأنه يحذر من ترك الشباب لأنفسهم وأصحاب السوء، وتجار المخدرات، فهؤلاء يسيطرون على عقولهم، لا جيوبهم فقط، ويُفقدونهم القدرة على التفكير، ويجعلونهم أسرى لهم يأتمرون بأمرهم. «حافظ على شمعتك» حتى الأمثال الشعبية استثمرها الزاحم في لوحاته، ففي لوحة تبدو لمن يراها أفعى تلتف على نفسها، لا ينتبه الكثيرون إلى اليد التي تعلوها، ويقصد الفنان بها الإشارة إلى اليد التي تداري على الشمعة حتى لا تنطفئ، محاكياً المثل الذي يقول: «داري على شمعتك»، والقصد منه ألا تخبر أحداً بتفاصيل حياتك كي تمضي أمورك في سلام، فقديماً كان في الناس الحسد. «توعية وتدريب» يؤمن الزاحم بأن مهمته كفنان لا تتوقف عند حد الرسم، وإنما تعليم النشء الصغير ما تعلمه من فنون، حتى وإن كان تعلمها سابقاً بنفسه بدون معلم، ولذا يسعد كثيراً بورش التدريب التي يعقدها للطلاب، كما يشارك بكل الحب في الفعاليات التي تقيمها الجهات المختلفة، مثل مكتبة الملك فهد الوطنية، التي سبق أن أقامت فعالية بعنوان: «أرسم وأتعلم»، وكانت مخصصة لاكتشاف المواهب وتنميتها، ضمن برنامج تحسين الرسم وإحياء الفن التشكيلي الذي ترعاه المكتبة. هذا فضلاً عن مشاركاته الشخصية بفنه في المعارض المختلفة، ونقل خبراته إلى الآخرين كذلك في موسم الملح الذي بدأ فعالياته هذا العام ومن المؤمل أن يكون سنوياً ببلدة القصب التاريخية، ويُعد أحد أشهر الفعاليات التراثية التي يحضرها الكثيرون، وينقلها ويهتم بها الإعلام السعودي. يذكر أن بلدية القصب نظمت هذا العام فعاليات كشته وموسم الملح بالتعاون مع لجنة التنمية الاجتماعية ومركز القصب وبمساندة من أمانة منطقة الرياض. جانب من أعمال عبد الرحمن الزاحم