شدّت الأرض كفكرة تفاصيل التجارب التشكيلية بشكل لافت وعميق وكانت بدرجاتها التعبيرية محور المعارض الكبرى باختلاف تفاصيل المزج ولكنها في تجربة معرض "من الأرض" الذي نظمه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي - إثراء بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، حملت تفاصيلها كمفهوم تشكيلي متنوع، والذي لاقى حضوراً وتميزاً كبيرين لكل زوار المنطقة الشرقية والمركز، ويستمر لنهاية سبتمبر المقبل. ما منح المعرض ميزة تمثّلت في ثرائه التعبيري الشامل الذي جمع الإنسان المحلي مع أرضه وهويّته طبيعته وانتمائه وماضيه وحاضره وحضوره ومستقبله رابطاً كل مشاعره بالذاكرة وتواصله من خلال الجغرافيا والتاريخ والحضارة والتراث. قدّم المعرض 32 فناناً تشكيلياً سعودياً حمل كل واحد فيهم تراكماته الحسية التي حاكت "أرض المملكة" بمفاهيمها ورموزها ودلالاتها الجمالية وتأثيراتها التي عرضت أعمالاً سردت بصرياً تفاصيل الهوية السعودية انطلاقاً من هذه الأرض سواء في المواضيع أو في الخامات. عبّر الفنانون بأساليب مختلفة تنوعت بين الأساليب الحديثة والمعاصرة التي خاضت في مجال التنويع التجريبي بشكل مختلف وعميق اعتمد الخامة الطبيعية من الأرض والألوان والرموز المستوحاة من تراثها ومعايشاتها بتجليات توافقت في السرد مع الجماليات البصرية المألوفة التي استطاعت أن تحمّلها أدواراً حركية تفاعلت أيضاً في الامتزاج الذي امتزج مع الأرض بين كل منطقة وبين كل فترة وزمن في اللوحات والمنحوتات والوسائط المتعدّدة تقنياً وفنياً حيث جمعت الأعمال اللون والصورة الفوتوغرافية والفيديو والأعمال التركيبية والمتسلسلة، والخط العربي. بدأت الأساليب التعبيرية التي اختارها الفنانون واستوعبوا فيها رؤاهم التجريبية من الأرض لتشرق في بصائرهم ورؤاهم وتثير معهم تساؤلات الوجود والانتماء والتكامل والاكتمال التي جعلت الطبيعة الحاضرة في اللوحة انعكاساً مع الفنان لتصبح الأرض منه وإليه، وهنا تكون المحاورات ذات أبعاد اتصالية عميقة لا تقف عند اللحظة التجريبية بل تتجاوزها نحو تفكيك الانفعال الحسي للمتلقي، وهو ما أثارته فكرة المعرض، فهي لم تقدّم الأرض بقدر ما قدّمت العمق له ولفتت انتباهه إلى المدى الذي يرشح ألواناً والمعنى الأكثر اتساعاً والقرب الأكثر إيماناً بالذات المحلية التي تستحق أن تسطع عالمياً بكل تفاصيلها التراثية والحضارية والاستشرافية باعتبارها منبعاً لكل تجدّد وتكاملاً لكل فكرة فنية، لتحمل رسائل التواصل بين الأجيال عبر السفر بين الأزمنة والأمكنة والتفاعل مع العلامات البصرية عند كل مرحلة. للأرض أيضاً ذاكرتها التي تستحق أن تبقى ولها تفاصيلها التي تحتاج إلى لفتة ممزوجة بالعمق، وهذا كثيراً ما يربط بين المتلقي والفنان، وبين الفنان وانتمائه، وبين الفنان والمنظّم، حتى يلتقي جميعهم على فكرة واحدة هي الارتقاء الجمالي بالذوق والوعي الذي يدرك قيمة المخزون الإنساني العميق للأرض محلياً وقدرة الفنان السعودي على التعبير عنها والوصول بها أبعد بالتعبير. *كاتب في الفنون البصرية