منذ فترة ليست بالبعيدة لم تكن الرياضالمدينة الصاخبة المفعمة بالحياة في الوقت الراهن سوى تجمع سكاني بسيط لا تفصله عن الصحراء سوى الصحراء، من عشرة شوارع وأحياء متواضعة تُعد على أصابع اليد نهضت هذه المدينة من الرمل حتى غدت واحدة من أسرع مدن العالم توسعاً. يقدر عدد سكان هذه المدينة الواثبة حالياً بنحو ستة ملايين نسمة، وهو مرشح للزيادة إلى أكثر من 8.5 ملايين خلال عقد من الزمن، وهو ما يتطلب توفير بيئة متكاملة لاحتواء هذه الزيادة المحتملة. لم أكن أعلم أن عدد سكان الرياض قد بلغ هذا المبلغ إلا من خلال ما اطلعت عليه من إحصاءات تقديرية، فلربما كان العدد أكبر، ولعل ما يُرجح قولي هو تمدد المدينة بشكل لا تخطئه العين أينما اتجه المرء.. هذا ما شاهدته وأنا حديث عهد بها لا سيما وأني قد غبت عنها فترة ليست بالقصيرة، وما كنت أسمعه قبل قدومي إليها كنت أظنه مجرد تصوير ومبالغة مُحبٍ لها، وهنا يحضرني قول الكاتب الإنجليزي صموئل جونسن حينما قال: إن فائدة الرحلات تكمن في مقارنة التخيلات بالواقع، فبدلاً من أن يتخيل المرء الأشياء يلمسها على حقيقتها. وهذا القول ينطبق عليَّ بالمجمل، فأنا منذ خمسة وعشرين عاماً أو تزيد كنت هنا في الرياض أعرف ملامحها وتفاصيل تفاصيلها، وكنت أعتقد أن النمو والتطور الذي حدث خلال هذه المدة هو في حدود ما يقبله العقل، ربع قرن مضت سريعاً ولم تتح لي زيارة العاصمة سوى مرتين، لم أتمكن خلالهما من معرفة ما طرأ على هذه المدينة العجيبة من تغيرات وتطور. اليوم أعودُ إليها مكلفاً من جهة عملي، وأحمدُ الله أن أُتيحت لي هذه الفرصة العظيمة لمشاهدة منجزاتها ومشاريعها الجبارة التي شهدتها وتشهدها، وبصدقٍ؛ لم أكن أتخيل مثل هذا التغير لو لم أره بعيني. مركز الملك عبدالله المالي كان أولى مشاهداتي في هذه المدينة الواثبة، يقع المركز في قلب المدينة على مساحة تقدر بأكثر من ثلاثة ملايين مربع تضم تسعة وخمسين برجاً ومرافق سكنية مصممة على أحدث الطرز المعمارية وأخرى ترفيهية كما يضم متنزهات ومتاحف ومؤسسات تعليمية رائدة متخصصة في المال والاقتصاد. وقد أفادني الزملاء الذين كنت بصحبتهم أن المركز تعمل به شركات عالمية ومحلية، ويعتبر مركز جذب للاستثمارات الإقليمية والعالمية، وهو بذلك لا يُعد واجهة الرياض الاقتصادية وحسب لما يحتويه من مرافق تجمع إلى جانب عالم المال والأعمال، مرافق السكنى والرفاه المتنوعة مما يضعه كأهم المعالم في قلب العاصمة. ولمواكبة النمو السكاني الذي تشهده المدينة كان مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام بمدينة الرياض نقطة التحول الكبرى لحل مشكلة الازدحام المروري الذي تعاني منه المدينة منذ سنوات، وسيسهم - بمشيئة الله - في حل هذه المشكلة من خلال ستة خطوط مترو تغطي كافة أنحاء المدينة لا سيما المناطق ذات الكثافة السكانية والنشطة تجارياً بطاقة استيعابية تقدر بنحو مليون ومئتي ألف راكب يومياً في مراحل المشروع الأولى، وبنحو ثلاثة ملايين وست مئة ألف راكب يومياً في مرحلته النهائية، وفي ظني أن سكان الرياض وزوارها على بُعد أشهرٍ لينعموا بهذه الخدمة العظيمة التي ستوفر عليهم الوقت والجهد وستمكنهم من الوصول إلى وجهاتهم في الوقت الذي يريدون. أما من جانب التطور العمراني السكني فلا يجد المرء مشقة في التفريق بين نمو المدينة فيما سبق ونموها في الوقت الحالي، ولعلي استعرض آخر المشاريع التي أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد وهو مشروع المربع الجديد الذي يهدف إلى تطوير أضخم داون تاون في مدينة الرياض وذلك للإسهام في التنمية المستقبلية للعاصمة بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030. وسيكون المشروع مَعْلَما عالمياً بتصميمه وبما يحتويه من خدمات وتقنيات حديثة مبتكرة ومزايا ذات فرادة ستنفذ على مساحة تزيد على تسعة عشر كيلو متراً مربعاً، وبمساحة بناء تقدر بأكثر من خمسة وعشرين مليون متر مربع، وبقدرة استيعابية تتجاوز مئات الآلاف من السكان، وما يتطلبه ذلك من تهيئة مرافق تراعي معايير الاستدامة ومستويات جودة الحياة ومفاهيم الصحة والأنشطة الرياضية. الرياض الآن مختلفة تماماً عما كانت عليه قبل عقد من الزمن، وستكون أكثر اختلافاً بعد عقد آخر عما هي عليه الآن، حينما تستكمل مشاريعها وتصبح واقعاً يراه العالم بأسره. * كاتب وإعلامي