تستضيف المملكة العربية السعودية القمة العربية في العاصمة الرياض خلال شهر مايو «أيار» 2023م، ومن واقع مسؤوليتها الكبيرة تسعى المملكة لحل المعضلات العربية السياسية بين الأقطار العربية بعضها البعض، بل التي تتقاطع مع المنظمات العالمية، فرأينا كيف كان القرار السياسي السعودي بفتح نوافذ للحوار مع الجمهورية السورية الشقيقة؛ تمهيداً لحلحلة النزاعات العربية العربية أو العربية العالمية، إن تلك الخطوة الرائدة من المملكة، مع خطوات أخرى لا تقل أهميتها، ترتبط بالملف اليمني ودعم المسيرة السلمية والحلول السياسية، والمبادرات الإنسانية لتبادل الأسرى، تلك الخطوات تعيد لمنظومة القرار العربي من خلال الجامعة العربية قوة ودعماً دبلوماسياً وثقلاً سياسياً. إن القرار السياسي السعودي بإجلاء رعايا المملكة من الشقيقة السودان بعد الأحداث الدامية هناك، يعد أمراً متوقعاً، ولكن الساحة السودانية لم تكن مؤهلة لعمليات إجلاء سهلة ويسيرة للرعايا، شأن كل عمليات الإجلاء التي ترتبط دوماً بتحديات ومعوقات لأن المطارات تشهد نزاعات، ومن ثم سيتعرض المواطنون، بل والطائرات نفسها لمخاطر كبيرة؛ لذا كان القرار السياسي الحكيم والمدروس والسريع في نفس الوقت؛ باستغلال الإمكانات البحرية الكبيرة للمملكة، مع تخطيط على أرض محروقة لم تعترف بهدنة أو فتح ممرات آمنة لعبور المدنيين أو الدبلوماسيين، وهنا يكمن التعقيد، فكان لابد من مناورات سياسية دبلوماسية، بل وعسكرية معقدة؛ لإجلاء الرعايا السعوديين الدبلوماسيين وغيرهم، بل فتح الباب أمام رعايا الدول الصديقة والشقيقة لنقل رعاياهم جنباً إلى جنب الرعايا السعوديين، ومن ثم نقلهم إلى بلدانهم من خلال المطارات السعودية، ولم يكن مستغرباً أن تقدم تلك الدول شكرها وتقديرها للمملكة على القرار السياسي الحكيم في سرعته ودقته وحسمه، ثم إنسانيته. لقد سخرت المملكة إمكاناتها الضخمة لفتح خط ملاحي بحري مع الشقيقة السودان؛ وتنفيذ أكبر عمليات إجلاء، إذ يتم نقل كل من يلجأ للسفارة والقنصليات السعودية في العاصمة الخرطوم أو المدن السودانية الأخرى، مقدمة الرعاية الاجتماعية والصحية للجميع دون تفرقة أو تمييز، إضافة لتيسير عمليات النقل الجوي للبعثات الدبلوماسية التي انتقلت إلى الأراضي السعودية من السودان، وكذلك رحلات السفر لرعايا العديد من دول العالم، في مشهد أشاد به القاصي والداني، ومازال العمل جارياً. نقطة أخيرة.. فإن المتابع للمشهد السوداني سيجد أن المنظمات العالمية السياسية والإغاثية تجد صعوبة بالغة لتقديم الدعم للشعب السوداني، والمساعدات للبعثات الدبلوماسية المختلفة التي تعرّض بعض أفرادها للقتل والتهديد، ورغم ذلك تبذل المملكة جهوداً مضنية لرأب الصدع بين الأطراف المتنازعة، وتطرح المبادرات لاستضافة حوار بناء على أرضها، عسى أن يتفق الفرقاء على مصلحة بلدهم، وأثق أن جهود المملكة ستكلل بالنجاح في هذا الإطار، إضافة إلى دعمها للمنظمات العالمية المتخصصة في تقديم الدعم الإغاثي للمدنيين في السودان، وقد أشادت النرويج بما تقدمه المملكة من دعم لمراكز نرويجية عالمية تُعنى بشؤون اللاجئين في كل دول العالم. ونأمل أن يُحكّم الفرقاء لغة الحكمة في لقائهم المنتظر على أرض المملكة؛ ليعود الاستقرار إلى تلك المنطقة الملتهبة.