يعتبر التشكيل الفني، من أهم فنون الإبداعية التي يتم التعبير من خلالها، عن الفكر والعواطف والمشاعر سواء أكان عبر لوحة مسطحة كنافذة للحياة، أو من خلال منحوتة كشاهد على الزمان. البُعد الفكري يعد جزءاً أساسياً ضمن العمل الفني التشكيلي، حيث يقوم الفنان/ة بترجمة فكرته على هيئة أشكال ورموز أو بمزج الألوان بعضها على أخرى كأحجية تستدعي ذهن المتلقي لفك طلاسمها. كما أنه من أهم العوامل التي تحدد نوعية وقيمة العمل التشكيلي، حيث إنه يتيح للفنان/ة بتوصيل رسالته وفكرته للمتلقي بطريقة فنية وجمالية تارة ومشوهة تارة أخرى؛ ومبتسمة حينا ومزمجرة في أحيان كثيرة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن استخدام الألوان الزاهية للتعبير عن الشعور بالفرح أو الحيوية، بينما يمكن استخدام الألوان الداكنة للتعبير عن الحزن أو اليأس علماً أن هذا الإسقاط ليس بقاعدة ولكن الانطباع النفسي والمزاجي لبني الإنسان يميل لتوظيف الدلالة للألوان على هذا النحو. وهو قريب إلى حدٍ ما أي البُعد الفكري للفِنومِنولوجي وخصوصاً المدرسة الرمزية والسريالية وأيضا المفاهيمية حول حقيقة الأشياء اللامرئية والفِنومِنولوجيا، كما هو البُعد الفكري الذي يرسم الشجرة بشكلها كمنظر طبيعي ظاهري من منظور ومن منظور آخر نرى الشجرة بمعاني شتى. فتعد الشجرة بمثابة عنصر جمالي من الطبيعة، وبمعنى آخر مهبط للعصافير، أو معمل للثمار الشهية، أو مستقر للعشاق، أو ظلال قد استظل بها أجدادنا في الماضي وكل تأويل، يتجلى لنا جانب من جوانب حقيقة الشجرة، ومن خلال دمج تلك التأويلات، أو بعضها على بعض وبشكل فني يتشكل لنا ذهنياً البُعد الفكري غير المرئي. والأمثلة كثيرة على البُعد الفكري، ولكن يجبرني المقام أن أستشهد بشيئ يعرفة أغلب بني الإنسان لإيصال الفكرة بشكل سلس، لوحة «الصرخة» للفنان النرويجي إدوارد مونك، التي تعبر عن الوحدة والألم والصراخ الصامت الذي يعيشه الإنسان في الحياة. كما يمكن القول إن لوحة «الموناليزا» للفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي تعبر عن فكرة الغموض والسحر والجمال غير المرئي في الحياة. الشاهد هنا أن البُعد الفكري في اللوحة التشكيلية يعد نقطة (م) لدائرة العمل الفني ويمنحه قيمة مادية وفلسفية مميزة. فالفنان/ة الذي ينجح في تجسيد وتوصيل فكرته ورسالته من خلال اللوحة التشكيلية أو المنحوته يرتقي من بوجهة نظري إلى أن يُلقب «التشكيلي المفكر» ويعد فناناً مبدعاً في إيصال فلسفته الفنية، بطريقة ثقافية فنية يعيها شتى بنو الإنسان باختلاف أعراقهم وأجناسهم، لتعكس لنا نحن العابرون، بأعماله مدى قدرته الفكرية وتمكنه الفني.