لم أكن أظن يوماً أن أمي - رحمها الله - سترحل مرتين، فاجعة فقدها، ولوعة فراقها، مضى عليها أكثر من عقد، ما زلت أذكر في مجلس العزاء حين عانقني فقيد إعلام المدينةالمنورة علي العمري - رحمه الله - وضمني إلى قلبه مواسياً وهو يذرف الدموع، لا أعرف كيف يواسيني من أتى مثقلاً بفقد أمه؟ وكيف تذكي الأحزان بعضها؟ ذات المشهد يعود مجدداً وفاجعة أخرى تقطر أسى لأمي الثانية "جدة أبنائي" أفاض الله على قبرها شآبيب الرحمات. مساحة حزن شاسعة، بسطت ظلالها على كل شيء من حولي، اعتصرت أوجاع الروح، وأنزفت دموع المآقي، ورسمت بألوان الأسى لوحة قاتمة، ثلاث سنوات من صراع مرير مع مرض أنهك قواها، فكانت مع شدة سطوته أكثر ثباتاً، تتدرع إيماناً ويقيناً لا يتزعزعان، تكب على كتاب الله تعالى تلاوة وحفظاً وسماعاً، لا يثني عزيمتها شيء، حتى فاضت روحها النقية الطاهرة إلى جوار رب كريم، وكانت وصيتها ألا ينصب لها سرادق عزاء، ولكنها أقامت خياماً من الحزن في قلوبنا، "عليك سلام الله وقفا فإنني .. رأيت الكريم الحر ليس له عمر". واليوم أكتب لروحك التقية النقية تباريح قلب مكلوم حالفته الدموع في غيابك، يا معدن التدين والحكمة والرزانة والوفاء، يا من غرست شتائل الحب والخير والعطاء، فمثلك وإن غادرت دنيانا الفانية على عجل، ستبقى روحاً تحيط بعالمنا، تقوّم تيهنا في دروب الحياة،.. وداعاً يا من لا يشبهك أحد سوى أمي. * مدير مكتب مؤسسة اليمامة الصحفية في المدينةالمنورة خالد بن حمد الزايدي