حين كنا نلعب في الشارع «بثقافة اليوم» أو الحارة «بثقافة الزمن الجميل»، كان «الدب» حارس، وصاحب الكرة هو النجم الأوحد، هذا الدب لا يحظى بشعبية كبيرة، فهو يتمنى أن يشاركنا اللعب ولا مانع بأن يقف بين «حذائين» أعزكم الله دون أن يعمل شيئا، والحذاء هنا هما قائما المرمى. لست بحاجة لمهارة كبرى للتسجيل فيه، فالدب غالبا يعاني من بطء التوافق الذهني الحركي، فحين يقرر تشتيت الكرة القادمة للمرمى وتسديدها بعيداً، هو غالبا يرفع قدمه بعد أن تتخطاه الكرة وتدخل هدفا، فتجد نظرة الدهشة في وجهه، والشتائم تهاجمه من كل صوب؛ لهذا هو يعاني لكنه يحاول أن يتصبر حتى لا يُحرم من اللعب مع من يفترض أنهم أصدقاؤه رغم القسوة التي كان يتقبلها على مضض. ينتهي اللقاء في تلك الساعات وتتجه الأنظار للدوري السعودي ولا جديد، فخانة الحراسة خانة مملة ومليئة بالمظاليم «كالسجن تماماً»، حارس أقل جودة، كثير النكبات، من عنده يبدأ ضياع البطولات. في هذا السياق مازلت أتذكر أحد لقاءات نصف النهائي على ملعب يكسوه الأسفلت، تقدم حارسنا وقال في خطبة عصماء قبل ركلات الترجيح: «إخواني اللاعبين، ركزوا في تسديد ركلات الترجيح لأني لن أتصدى لأي ركلة، فهي إما أن تخرج أو تصطدم في جسدي» انتهت خطبة «سيب ماير» وغادرنا البطولة بعد أن انتهت ركلات الترجيح 5-4. استمرت هذه الثقافة زمناً طويلاً، وبقيت خانة الحراسة هي الخانة التي يختارها من يعشق كرة القدم لكنه لا يملك المهارات اللازمة للتحكم والمراوغة بالكرة. بدأت هذه الثقافة بالانقراض، حين بدأ نجم محمد الدعيع بالبزوغ في مونديال 89 للناشئين، وحصل المنتخب حينها على كأس البطولة والدعيع على نجمها. لم يكن اسم الدعيع غريباً ولا جودة حراسة المرمى في هذه العائلة جديد، فهو شقيق عبدالله حارس أبطال آسيا 84، لكن الإضافة الفنية مازالت مفقودة في تلك الفترة، وتجربة الحارس النكبة كانت هي المسيطرة على المشهد. حضر محمد الدعيع فتغيرت المفاهيم وأصبح الإبداع عنواناً لهذه الخانة، فكل لقطة بهلوانية كل حارس مبدع يسمى «دعيع»، أصبح الحارس كُل الفريق بعد أن كان (نكبتهم)، والبطولات تبدأ من عنده بعد أن كان سبباً في ضياعها، والظلم الحقيقي أن تكون احتياطياً للدعيع لأنك لن تشارك أصلا، والأرقام التي يحققها لن تُكسر حتى بعد سماح الاتحاد السعودي للحارس الأجنبي بالمشاركة منذ 2017. يعود ذكر الدعيع اليوم بعد أن اقترب رقمه من السقوط أمام بسالة غروهي، وعند الحديث عن الاتحاد فنحن على موعد مع الكثير من الذكريات والمفارقات بينه والدعيع، وسنوات طويلة مليئة بالتنافس التاريخي. البداية كانت حين وقف الطائي مارداً للفرق في كأس ولي العهد، وتحدى الدعيع نجوم الأندية، فأقصى الهلال، وفي العام التالي وصل للنهائي بعد إقصاء الشباب والأهلي ليواجه الاتحاد في النهائي، ورغم فوز الاتحاد عليه وتبادل التحايا مع المدرج الاتحادي الأهزوجة الشهيرة «وين التحدي يا دعيع» إلا أنها كانت إعلانا لبداية منافسة تاريخية ستمتد ل12 عاما. الدعيع ينتقل للهلال ويلعب آخر لقاء مع الطائي ضد الاتحاد ويستقبل رباعية، ثم ينتقل للهلال ويواجه الاتحاد في أول لقاء ويستقبل رباعية أخرى كان هدف فهد الخطيب هو الأجمل فيها. «كبري» أسامة 2007، وصاروخ بوشا 2009، وركلة جزاء نور الشهيرة يقابلها نهائي 2008 ولقاء لعب الاتحاد ضد الدعيع الذي صد الكرة بكل أطرافه ورجح كفة الهلال لخطف لقب دوري كان الاتحاد يكفيه التعادل لتحقيق اللقب. طوال تلك الأعوام ورغم شراسة المنافسة كان الدعيع الفارس الخلوق والعلامة الأبرز في هذه الخانة والاسم الثابت والمتفق عليه والمطلوب في تشكيلة المنتخب التي كانت تبدأ بعد اسم الدعيع. سنوات من الإنجازات والأرقام والشخصية الاستثنائية والمستوى الثابت رغم تعدد المنافسين، ورقم صامد اقترب سقوطه بين قفازات غروهي، لكنه لا يلغي قيمة ومكانة أسطورة الحراسة. الدعيع ليس مجرد حارس، وتميزه لم يكن مجرد أرقام، وإنجازاته لم تكن مجرد بطولات، الدعيع أسطورة صنع للمركز قيمة وللحراسة كاريزما، كان للمنتخب أمانا، وللنشء قدوة، وللكرة السعودية أسطورة خالدة يصعب تكرارها على مر العصور.