بغض النظر عن الإيمان بفكرة الاغتسال والنصين القرآني والنبوي، يبقى السؤال: لماذا أرفض هذا الطلب ممن طلبه، طالما أنه لا يضرني بشيء ويريح من طلبه مني؟ طلبت مني إحدى الزميلات في يوم ما ونحن في مقر العمل أن أغتسل في وعاء أعدته لعل زميلة أخرى تستفيد منه إيماناً بقول الرسول الكريم: (العين حق ولو كان شيئا سابقا القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغتسلوا أو فاغسلوا) فقد عانت زميلتنا وبشكل مفاجئ من ضرر في عصب العين وكانت في وقتها ليست شابة صغيرة تخرجت للتو، وإنما سيدة وأم تحمل على عاتقها مسؤوليات شتى، وكانت متأخرة على أن تتابع الدراسة العليا ماجستير ودكتوراه، ولكنها فعلت لأنها ذكية ومجتهدة وراغبة في العلو علمياً رغم التوقف عن الدراسة لفترة ما، وغالباً يندهش من يعرفونها من إصرارها وتفوقها وقد لا يخلو الأمر من توقع ضرر يمسها (من شر حاسد إذا حسد). وقتها لم أتردد للحظة في أن استجيب لطلبها فقمت واغتسلت، وعلمت فيما بعد أن زميلات أخريات رفضن الاستجابة مع أنهن من فئة من كان يطلق عليهن في تلك الفترة (ملتزمات)! وعليه فيفترض أنهن أولى من غيرهن بالالتزام بما أمر به رسول الله. وغالباً يتكرر هذا الحدث في أغلب البيوت أو مقار العمل فهناك من يطلب وهناك من يرفض إما اعتراضاً على هذا الطلب بحجة لماذا يطلبون منا الاغتسال، فهل يشكون بأني شخص حاسد أو عائن أو بحجة رفضهم لفكرة الاغتسال ونص الحديث النبوي وفكرة الحسد من أصلها رغم ورودها في القرآن الكريم! وبغض النظر عن الإيمان بالفكرة والنصين القرآني والنبوي يبقى السؤال، لماذا أرفض هذا الطلب ممن طلبه؟ طالما أنه لا يضرني بشيء ويريح من طلبه مني؟ فالمريض الذي يعاني من أمر ما قد يطرق كل باب بحثاً عن العلاج والراحة من كل تعب فلماذا نبخل عليه بما هو مستطاع دون حرج من الطالب والمطلوب، وعلى المطلوب منه ألا يأخذ الموضوع بشكل شخصي فيغضب ويثور فهم على الأقل تعاملوا بوضوح وصراحة اعتقاداً منهم بصحة التوجيه النبوي ولم يلجؤوا إلى أسلوب آخر لأخذ أثرك بطريقة سرية ولو علمت بذلك فسيغضبك الأمر أكثر، لأنك ستعرف حينها أنك المتهم رقم واحد في هذا الأمر. هذا الموضوع يتعامل معه كثير من الناس بحساسية زائدة فينفرون ويغضبون ولا يقنعهم شيء للتخفيف من حدة غضبهم أن تقول لهم أتؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض؟! فالحسد مذكور في القرآن وشر الحاسد ثابت فيه، ولهذا أمرنا بالاستعاذة منه قبل وقوعه في سورة الفلق وهي تتضمن الاستعاذة من أربعة أمور أولها عام من (ما خلق) وبعدها ثلاثة أمور خاصة، الغاسق إذا وقب الذي اتفقت الشروح على أنه يعني الليل إذا أظلم وبعدها النفاثات في العقد وهو السحر وآخرها الحاسد إذا حسد، ثم شرح لنا الحديث النبوي كيفية المعالجة بقراءة المعوذات أولاً والاغتسال ثانياً وبالسدر ثالثاً في حالة التضرر من السحر وكل هذه التوجيهات يطبقها كثير من الناس سراً في بيوتهم ويحملون في باطنهم إحساساً أو أدلة على من يعتقدون أنهم تضرروا منه ولكنهم لا يصرحون بذلك، ولكن لأن طلب الاغتسال الصريح يمس جانب العلاقات الاجتماعية ينفر منه كثير من الناس، ويعتبرونه إساءة شخصية لهم! وفي أحيان كثيرة قد يتسبب بخلاف بين الأصدقاء أو العائلة على اعتبار أن هذا الطلب يوحي بسوء الظن بالآخرين، ولهذا أظن أن يتعامل الناس مع هذا الموضوع ببساطة شديدة فيبدون موافقتهم على ذلك مباشرة دون الإبحار بعيداً في ظنونهم، فنيسر على الشخص الذي يبحث عن أي منفذ للعلاج وبخاصة حين يستعصي عليه العلاج الطبي ولا يؤتي ثماره حين يقول له الأطباء لا نعرف ما علتك فكل التحاليل والفحوصات تبدو سليمة! وعلى المرء أن يسأل نفسه، ما الذي سيضرني لو استجبت لهم؟ وستكون الإجابة لا ضرر؛ إذن فلتخفف عنهم وتحقق لهم مطلبهم.