لا يكاد أن يخلو حديث بالمجالس في مدينة الرياض عن الازدحام المروري، وبالذات وأن المدينة قد شهدت نمواً سكانياً خلال الأعوام القليلة الماضية فاق توقعات المخططين، حيث قد بلغ عدد سكان المدينة 6,506,700 نسمة في عام 1437، بمعدل نمو بلغ 4 % خلال الفترة 1431 - 1437، والذي يُعد من بين أعلى النمو السكاني على مستوى عواصم دول العالم، والذي يتجاوز أيضاً معدل النمو السكاني بالمملكة والذي هو بحدود 2.38 %. نتيجة للنمو المتسارع والهائل في أعداد سكان مدينة الرياض، ضاعف ذلك بدوره من أعداد المركبات التي تسير بشوارع وطرقات المدينة، مما جعل المدينة تُعاني من اختناقات وازدحام مروري غير مسبوق متسبباً في ضياع وهدر وقت وجهد قائدي المركبات، وليس ذلك فحسب، حيث قد ينتج عن ذلك تلوث هواء المدينة النقي بسبب ما تنفثه عوادم المركبات في الغلاف الجوي من غازات وأبخرة سامة ومواد وملوثات خطيرة جداً، مثل ثاني أكسيد الكربون أول أكسيد الكربون والهيدروكربونات، والتي تعتبر العامل الرئيس في تغير المناخ بما في ذلك الإضرار بالصحة العامة، بالإضافة إلى تعكيرها لصفو الجو وإخلالها بمفهوم وجودة الحياة. ومن بين أهم أسباب الازدحام المروري بمدينة الرياض، توافد المواطنين والمقيمين من المدن السعودية الأخرى بحثاً عن العيش والرزق وفرص العمل الأفضل، وكذلك القيادة غير النظامية التي لا تراعي أبسط السلوكيات والأنظمة المرورية المرعية، التي تخفف من حدة الازدحام، وما يعزز من ذلك، ما أكدت عليه مخرجات إحدى الدراسات التي أكدت على أن ما نسبته 93 % من مسببات الازدحام والحوادث المرورية أسلوب قائدي المركبات لمركباتهم بطريقة تميل للرعونة والخشونة والعشوائية وعدم الالتزام بأبسط القواعد والأنظمة المرورية. ومن بين الأسباب كذلك المؤدية للازدحام المروري، عدم اكتمال وانطلاق منظومة النقل العام، وبالتحديد مشروع النقل العام، مما يحد من توفر بدائل للمواصلات والنقل أمام العامة من الناس، والذي بدوره يضاعف من أعداد المستخدمين لمركباتهم الخاصة للتنقل بالمدينة، وما يؤكد على ذلك ما أشار إليه سمو أمين منطقة الرياض، الأمير فيصل بن عياف آل مقرن في لقاء تلفزيوني ببرنامج "في الصورة" بقناة روتانا خليجية، أن 12 % و30 % من اليابانيين والبريطانيين على التوالي يستخدمون مركباتهم الخاصة في التنقل، في حين بمدينة الرياض تتجاوز النسبة 90 %، كما وأشار سموه إلى أن الوقوف العشوائي للمركبات يساهم بشكل كبير في الازدحام المروري، وذلك بسبب استخدام قائدي المركبات لمسارات الشوارع والطرقات لوقوف مركباتهم، هذا بالإضافة إلى أن تدنى جودة بعض الطرق يضاعف من حجم المشكلة، حيث أوضح سموه أن جودة الطرق بمدينة الرياض دون مستوى المعدل العالمي الذي يصل إلى 70 درجة في حين بمدينة الرياض يصل إلى 55 درجة. برأيي أيضاً أن للهندسة المرورية وتصميم الشوارع والطرقات، أهمية بالغة في انسيابية الحركة المروية، بما في ذلك أسلوب توزيع وتشغيل إشارات المرور بشكل تزامني Synchronous، وأيضاً توفر البنية الفوقية والتحتية الداعمة لانسيابية الحركة المرورية، كالكباري والأنفاق والميادين الدائرية. أخيراً وليس آخراً، إن تعدد المخارج على الطرقات الرئيسة يضاعف من مشكلة الازدحام المروري، وبالذات في ظل عدم التزام قيادي المركبات بالمسارات المخصصة للمخارج، هذا بالإضافة إلى البطء في معالجة الحوادث على الطرقات. رغم تلك الإشكاليات المرورية والتنموية التي تحدث عنها سموه باللقاء التلفزيوني، وبالذات في إشارته إلى أن النمو السكاني بالرياض قد سبق النمو التنموي والذي كان من المقروض أن يكون بالعكس من ذلك، إلا أنه قد بعث من خلال حديثه بالعديد من الرسائل المطمئنة عن مستقبل مدينة الرياض، وبالذات في ظل الجهود المبذولة للارتقاء بأداء الشوارع والطرقات المحورية بالمدينة، مثل طريق الملك فهد، وطريق طريق الأول، وطريق أبو بكر الصديق وغيرها من الطرق والمحاور الرئيسة. ومن بين الرسائل المطمئنة كذلك التي بعث بها أمين منطقة الرياض، قرب اكتمال مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام والذي سيوفر خيارات وبدائل للنقل بالمدينة، سيما وأن المشروع يتكون من 6 خطوط مترو لخدمة 84 محطة، و80 خط للحافلات لخدمة 3000 محطة. ومن بين الحلول كذلك التي تحدث عنها الأمين والتي جاري العمل عليها حالياً، مشروع التحسين من جودة الطرقات الذي اعَتمد له سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان (يحفظه الله)، مبلغ 4 مليارات ريال، وكذلك اكتمال مشروع المواقف العامة، مما سيساهم في التخفيف من حدة الازدحام المروي بالمدينة. وبرأيي كذلك أن لعل التفكير في حلول مرورية خارج الصندوق Out of the box، قد يساعد على حل مشكلة الازدحام المروري، مثل ال كاربوول Carpooling واستخدام أنظمة المواصلات الذكية Intelligent Transportation System (ITS).