تعيد ذكرى تأسيس المملكة العربية السعودية على يد الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - ذاكرة التاريخ إلى ثلاثة قرون مضت خلدتها الكتب والمدونات وتجلت مظاهرها على امتداد الجزيرة العربية حيث ترسخت قواعد وطن عظيم يفاخر به أبناؤه جيلاً بعد جيل، لم ينجح خلالها الأعداء في خلخلة النسيج الاجتماعي رغم الظروف العصيبة والقاسية والمتتابعة بصورها وأشكالها المتعددة التي شهدتها المنطقة والعالم برمته. ويؤكد مؤرخون أن المدينةالمنورة والمسجد النبوي الشريف لم يغيبا عن قلب قادة البلاد منذ التأسيس حتى اليوم، فحين كانت الأوضاع الأمنية مضطربة قبل أن يبسط الحكم السعودي عباءة الخير والأمن والأمان كانت الطرق إلى مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - محفوفة بالصعوبات والمخاطر والنهب والسلب، وربما لا يعود الناسك والزائر إلى بلده مرة أخرى. وفي الدولة السعودية الأولى كانت أولى اهتمامات الإمام سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - تأمين قوافل الحجيج والزوار فكانت زيارته لطيبة الطيبة عام 1807م بعد أدائه فريضة الحج وإقامته فيها أياماً يتفقد الأحوال ويطمئن على الأهالي، ثم إنه عاود الزيارة مرة أخرى في العام الذي يليه، وهو ما يؤكد أن دار الهجرة النبوية حاضرة في وجدان القيادة المباركة منذ التأسيس الأول. إرث تاريخي إرث تاريخي كبير أسسه الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - في دولة مترامية الأطراف رسمت سجلاً حافلاً للاهتمام بالمدينتين المقدستين وبقية مناطق المملكة مرورا بحكم الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود - رحمه الله - في الدولة السعودية الثانية، حتى قيض الله سبحانه وتعالى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - عام 1902م لتأسيس الدولة السعودية الثالثة وتوحيدها باسم المملكة العربية السعودية، ليسير أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز بناء هذه الدولة ووحدتها حتى العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حيث تحظى المدينةالمنورة والمسجد النبوي الشريف بعناية واهتمام خاص تتجلى أولى الاهتمامات بإتمام التوسعة الكبرى ورفع الطاقة الاستيعابية، وإطلاق المشروعات المصاحبة التي تصب جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، وكذلك خدمة أهالي طيبة الطيبة وزوارها، وهو النهج الحكيم الرشيد الذي قامت عليه الدولة المباركة. تطوير وتجديد وكانت الزيارة الأولى للملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - إلى المدينةالمنورة في شعبان عام 1345ه للصلاة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والسلام على النبي الخاتم، ثم النظر في شؤون الحرم، حيث لاحظ تصدعات في بعض العقود الشمالية، وتفتت بعض حجارة الأعمدة، فأصدر أمره ببدء الإصلاح والترميم، فأجريت إصلاحات في أرضيته وأروقته وبعض الأعمدة بالأروقة الشرقية والغربية، والتشققات التي ظهرت في دهان الحجرة النبوية الشريفة، وبعد وفاة المؤسس - رحمه الله - واصل أبناؤه البررة من بعده مسيرة التطوير والتجديد، فتسلم زمام الحكم الملك سعود - رحمه الله - وكان كثير الاهتمام بأمر التوسعة، حيث تم في عهده إكمال بنائها على شكل متقن، وفي عهد الملك فيصل - رحمه الله -، أمر بتوسعة أخرى من الجهة الغربية، واشتريت العقارات والدور والمساكن التي احتيج إليها، وظللت بمظلات مقببة قوية مؤقتة بمساحة تزيد على أربعين ألفاً وخمس مئة متر مربع، وجهزت بجميع اللوازم حتى صارت مهيأة للصلاة. واليوم مشروعات ضخمة لخدمة ضيوف الرحمن عمارة وتوسعات وجرت في عهد الملك خالد - رحمه الله -، توسعة جديدة حينما وقع حريق في المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي من المسجد الشريف فأزيلت المنطقة، وتم تعويض أصحاب العقارات، وضمت الأرض إلى الساحات وظللت مساحات شاسعة على غرار المظلات السابقة، وبذلك صارت المساحة الكلية بعد التوسعة السعودية الأولى 16327 مترًا مربعًا، وعند زيارة الملك فهد - رحمه الله -، في شهر المحرم عام 1403ه، شعر أن الحرم الشريف لا يتسع لكل المصلين والزوار، وأن المظلات المقامة لم تعد كافية، فوجه بوضع دراسة لتوسعته توسعة كبرى، تستوعب أكبر عدد ممكن من المصلين، فامتدت التوسعة من جهة الغرب حتى شارع المناخة، ومن الشرق إلى شارع أبي ذر بمحاذاة البقيع، وامتدت إلى الشمال أيضاً، وتواصلت التوسعات السعودية، إذ شهد الحرم النبوي في عهد الملك عبدالله - رحمه الله -، توسعة كبرى لرفع طاقته الاستيعابية لتصل إلى مليوني مصلي مع نهاية أعمال المشروع. عهد ميمون وفي العهد الميمون تأتي تأكيدات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - على أهمية المسيرة والحرص على متابعة العمل في مشروعات التوسعة الكبرى بالحرمين الشريفين، التي تصبّ جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، لاسيما حجاج بيت الله الحرام، وزوار مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتوفير كل السبل لخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار، بمنظومة عمل متكاملة وتنسيق مباشر بين مختلف الجهات ذات العلاقة، لتحقيق التوجيهات الكريمة على أرض الواقع، خدمة للمسلمين، وعناية ورعاية للمقدسات الإسلامية ومن ذلك مشروع تبليط الساحات الغربية للحرم الشريف للاستفادة من المساحات المتاحة والتخفيف والتيسير على المصلين والزوار في أوقات الذروة، وتخفيف وطأة الازدحام خلال موسم رمضان والعيدين، وهو عبارة عن صبة خرسانية مطبعة تتكون من مصليات وممرات وتقدر مساحة المشروع بقرابة 100 ألف متر مربع تضم مصليات تتسع إلى قرابة مئة ألف مصل، كما تمت الموافقة على تنفيذ المشاريع التطويرية والتحديث التشغيلي والفني لنظام الصوت وأنظمة التيار الخفيف والأنظمة الكهرو-ميكانيكية بالمسجد النبوي الشريف ومرافقه، وذلك وفق أحدث التقنيات المتوافرة عالمياً. رؤية ولي العهد وتبرز الرؤية الطموحة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - مدى العناية والاهتمام بالمدينةالمنورة والتي تهدف إلى العناية بالحرم الشريف والمشروعات التي تخدمه إضافةً إلى مسجد قباء والمساجد التاريخية، وتحسين كل الخدمات وتذليل جميع الصعاب، ليجد الحاج والمعتمر والزائر كل السبل المعينة على تأديته لعبادته، حيث أعلن سموه في الرابع والعشرين من شهر أغسطس 2022م إطلاق أعمال البنية التحتية والمخطط العام لمشروع "رؤى المدينة"، في المنطقة الواقعة شرق المسجد النبوي الشريف، الذي تطوره وتنفذه شركة رؤى المدينة القابضة، المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، التي تعنى بالتطوير العقاري في المدينةالمنورة، حيث يأتي المشروع تفعيلاً لجهود الصندوق الهادفة لتطوير القطاعات الواعدة تماشياً مع رؤية المملكة، وأكد سمو ولي العهد - حفظه الله - أن المشروع يتماشى مع مستهدفات الرؤية في رفع الطاقة الاستيعابية لتيسير استضافة 30 مليون معتمر بحلول العام 2030 وسيتم تنفيذه على أعلى المعايير العالمية، ما يعكس حرص المملكة على الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن بالمدينةالمنورة بوصفها وجهة إسلامية وثقافية عصرية، كما أشار سمو ولي العهد - حفظه الله - إلى أن المشروع سيقام على مساحة إجمالية تقدر ب 1,5 مليون متر مربع، حيث يستهدف إنشاء 47 ألف وحدة ضيافة بحلول العام 2030م، إضافةً إلى الساحات المفتوحة والمناطق الخضراء التي تيسر وصول الزوار إلى المسجد النبوي الشريف، إذ سيتم تخصيص 63 % كمناطق مفتوحة ومساحات خضراء من مساحة المشروع. اهتمام كبير وتحظى المساجد التاريخية في المدينةالمنورة باهتمام كبير من سمو ولي العهد - حفظه الله - وفي مقدمتها مسجد قباء بالمدينةالمنورة الذي يشهد أكبر توسعة تاريخية، أعلن عن إطلاقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تزامناً مع زيارته للمدينة المنورة، وصلاته في مسجد قباء يوم السابع من شهر رمضان المبارك لعام 1443ه، حيث وجه - أيده الله - بتسمية المشروع باسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، والمشروع المبارك عند اكتماله سيضاعف مساحة المسجد عشرة أضعاف بهدف استيعاب أكبر عدد من المصلين في أوقات المواسم والذروات، كما أنه يبرز الأهمية الدينية ويوثق الخصائص التاريخية لمركز قباء، ويحافظ على الطراز العمراني والمعماري. ولي العهد يتشرف بالسلام على النبي الكريم المسجد النبوي شهد تطويراً مستمراً منذ القِدم المسجد النبوي روحانية المكان صعوبة السفر إلى المدينة جعلت الدولة تهتم بإيجاد الطرق