تفيض المدينةالمنورة سكينة وطمأنينة، وتنبض حباً وقداسة وإجلالاً في قلب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقلب سمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله -، تضم في ثراها أطهر جسد للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأكرم بقاع تنزل فيها الوحي وشيد على بسيطتها الحرم الشريف، فكانت رياضاً من الجنة على الأرض، شهدت انطلاق نور الإسلام الذي أضاء ظلمة العالم فشع هداية تحمل الخير والسلام، وعلى ربوع طيبة جبال ووهاد وأودية مواقع ليس لها مثيل، شهدت دفاع الأرواح والمهج عن المبادئ والقيم، وارتقاء لآل البيت الطيبين والصحب الكرام فكان رفاتهم في الغرقد والخندق وأحد عزة وفخراً على مدى خمسة عشر قرناً من الزمان. جمع الشتات وكلما لاح اليوم الوطني لمملكتنا الحبيبة يستحضر كل مواطن ومقيم بل كل عربي ومسلم ومنصف جهود المؤسس البطل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - لجمع الشتات ووحدة الوطن، ويسجل التاريخ على أرض الهجرة والبلدة الطاهرة مداداً من العناية والاهتمام بالإرث الديني والتاريخي، فكانت محط رعاية الملوك البررة سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله - رحمهم الله جميعاً -، حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - لتستمر العناية أضعافاً عما سبق بفكر جديد ورؤية حديثه وقراءة للمستقبل لتتحقق أحلام الوطن والعالم الإسلامي بأسره. عمارات وتوسعات ومن المدينةالمنورة انطلقت الرسالة الخاتمة تحمل كل المعاني السامية والأخلاق الكريمة والطهر والنقاء والحب والصفاء للعالم، تعود بوصلة الزمان للمقدم الشريف لنبي آخر الزمان محمد بن عبدالله - عليه صلوات الله وسلامه -، مهاجراً من مكةالمكرمة فكانت أهازيج الأنصار من ثنيات الوداع تصدح اشتياقاً للرسول الكريم، وتتوالى فصول المقدم الشريف لطيبة الطيبة بتشييد المسجد النبوي باليدين الشريفتين على مربد ليتيمين من بني النجار وعلى مساحة لا تزيد على ألفين وأربعمئة وخمسين متراً مربعاً، وقبلته تجاه بيت المقدس مسقوفاً بجريد النخل وأعمدته منتصبة من جذوعها، ومع مرور الزمن توالت على البقعة المباركة عمارات وتوسعات للخلفاء والسلاطين حتى عصر الدولة السعودية المباركة التي جعلت الحرم الشريف في قلبها ووجدانها فحظي بالرعاية والعناية الخاصتين والتوسعات العملاقة والمشروعات التي ليس لها مثيل انتهاء بما أعلنه سمو ولي العهد - حفظه الله - عن إطلاق مشروع البنية التحتية والمخطط العام لمشروع «رؤى المدينة» الذي يترجم الاهتمام بمأرز الإيمان. تحسين الخدمات كافة وتذليل جميع الصعاب ليجد ضيوف الرحمن كل سبل الراحة اهتمامات القيادة وتتجلى اهتمامات القيادة اليوم في إتمام أكبر توسعة في تاريخ المسجد النبوي لرفع طاقته الاستيعابية إلى مليوني مصل مع نهاية أعمال المشروع، ليمثل حدثاً إسلامياً عظيماً، إضافةً إلى ما يحظى به ضمن رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين لأداء فريضتي الحج والعمرة على أكمل وجه، والعمل على إثراء وتعميق تجربتهم، من خلال تهيئة الحرمين الشريفين، وتحقيق رسالة الإسلام العالمية، وتهيئة المواقع السياحية والثقافية، وإتاحة أفضل الخدمات قبل وأثناء وبعد زيارتهم لمكةالمكرمةوالمدينةالمنورة والمشاعر المقدسة، وعكس الصورة المشرفة والحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين، فالحرم النبوي ثاني أكبر المساجد بعد المسجد الحرام، وأجر الصلاة فيه مضاعفة ألف مرة فيما سواه، تفد إليه الأرواح والمهج على مدار العام للصلاة في روضته الشريفة وزيارة النبي الخاتم وصاحبيه الكريمين. ثمانية عقود وسبقت قيام الدولة السعودية توسعات متعددة ولكنها لم تصل إلى مرحلة العناية الاستثنائية والرعاية الشاملة فكان التدشين الأول للإصلاحات والترميمات قبل ثمانية عقود حينما لاحظ الملك عبدالعزيز - رحمه الله - تصدعاً في بعض العقود الشمالية، وتفتتاً في بعض حجارة الأعمدة، فصدر أمره بإجراء العمارة والتوسعة للمسجد النبوي وصرف ما يحتاجه المشروع من نفقات دون قيد مع توسيع الطرق حوله، وبدأت أعمال الهدم للمباني المجاورة للحرم الشريف، واستمرت أعمال العمارة والتوسعة إلى عهد الملك سعود - رحمه الله -، وكانت العمارة بالإسمنت المسلح، ونتج عنها أن أضيف إلى مسطح المسجد أكثر من ستة آلاف متر مربع، واحتفظ بالقسم القبلي من العمارة المجيدية ما كان صالحاً للبقاء وبذلك تخطى مجمل العمارة اثنا عشر متراً مربعاً، وأقيم ضمن التوسعة مبنى هيكلياً من الخرسانة المسلحة وهي عبارة عن أعمدة تحمل عقوداً مدببة، وتمت تغطية أرضية المسجد بالرخام، كما قسم السقف إلى مسطحات مربعة شكلت على نمط الأسقف الخشبية، وزخرفت بأشكال نباتية، وعملت الأعمدة المستديرة تيجان من البرنز وزخرف أيضاً، أما المآذن فقد شيدت ليبلغ ارتفاعها سبعين متراً، تتكون كل واحدة من أربعة طوابق تناسقت في شكلها مع المنائر القديمة للمسجد، كما حليت جدران المسجد بنوافذ جميلة وجعل للمسجد صحنان مفصولان برواق بدلاً من واحد. توسعات متتابعة وفي عهد الملك فيصل - رحمه الله - تزايدت أعداد الحجاج والزوار فكان أمره بتوسعة المسجد النبوي، وكانت التوسعة من الجهة الغربية حيث تمثلت التوسعة في إضافة خمسة وثلاثين ألف متر مربع إلى أرض الحرم الشريف، ولم تتناول عمارة المسجد نفسها بل جهزت تلك المساحة لإقامة مصلى كبير ومظلل يتسع لعدد من المصلين، يماثل عددهم داخل المسجد، ثم أضيفت مساحة تزيد على خمسة آلاف متر مربع وظللت كذلك، مما أتاح المجال لاستيعاب أعداد أكثر من المصلين، وفي عهد الملك خالد - رحمه الله - حصل حريق في سوق القماشة، وهو في الجهة الجنوبية الغربية للمسجد النبوي الشريف، وأزيلت المنطقة وسويت أرضيتها، وعوض أصحاب الدور والعقار، وأضيفت إلى مساحة المسجد، حيث بلغت المساحة ثلاثة وأربعين ألف متر مربع، وهو ميدان فسيح مظلل، أُضيف إلى أرض المسجد النبوي ولم تتناول عمارة المسجد، وقد خصص جزء منها مواقف للسيارات، وفي عهد الملك فهد - رحمه الله - أمر بتوسعة كبرى للمسجد النبوي الشريف، بإضافة مبنى جديد بجانب مبنى المسجد الحالي يحيط ويتصل به من الشمال والشرق والغرب ليستوعب بعد التوسعة ما يزيد على ربع مليون مصل وتضمنت أعمال التوسعة إنشاء دور سفلي «بدروم» بمساحة الدور الأرضي للتوسعة، وذلك لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الأخرى، وفي عهد الملك عبدالله - رحمه الله - أطلقت أكبر توسعة للمسجد النبوي، إلى جانب مشروع المظلات. توجيهات ملكية وفي عهد خادم الحرمين الشريفين تأتي تأكيدات الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - على أهمية المسيرة والحرص على متابعة العمل في مشروعات التوسعة الكبرى بالحرمين الشريفين، التي تصبّ جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، لاسيما حجاج بيت الله الحرام، وزوار مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوفير كل السبل لخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار، بمنظومة عمل متكاملة وتنسيق مباشر بين مختلف الجهات ذات العلاقة، لتحقيق التوجيهات الكريمة على أرض الواقع، خدمة للمسلمين، وعناية ورعاية للمقدسات الإسلامية ومن ذلك مشروع تبليط الساحات الغربية للحرم الشريف للاستفادة من المساحات المتاحة والتخفيف والتيسير على المصلين والزوار في أوقات الذروة، وتخفيف وطأة الازدحام خلال موسم رمضان والعيدين، وهو عبارة عن صبة خرسانية مطبعة تتكون من مصليات وممرات وتقدر مساحة المشروع بقرابة مئة ألف متر مربع تضم مصليات تتسع إلى قرابة مائة ألف مصل، كما تمت الموافقة على تنفيذ المشاريع التطويرية والتحديث التشغيلي والفني لنظام الصوت وأنظمة التيار الخفيف والأنظمة الكهروميكانيكية بالمسجد النبوي الشريف ومرافقه، وذلك وفق أحدث التقنيات المتوافرة عالمياً، كما أن الموافقة تشمل تطوير أنظمة الصوت والتكييف والتحكم الآلي في المشروعات والمواقف والمباني. رؤية طموحة وتبرز الرؤية الطموحة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - مدى العناية والاهتمام بالمدينةالمنورة والتي تهدف إلى العناية بالحرم الشريف والمشروعات التي تخدمه إضافةً إلى مسجد قباء والمساجد التاريخية، وتحسين كل الخدمات وتذليل جميع الصعاب، ليجد الحاج والمعتمر والزائر كل السبل المعينة على تأديته لعبادته، حيث أعلن سموه في الرابع والعشرين من شهر أغسطس 2022م إطلاق أعمال البنية التحتية والمخطط العام لمشروع «رؤى المدينة»، في المنطقة الواقعة شرق المسجد النبوي الشريف، الذي تطوره وتنفذه شركة رؤى المدينة القابضة، المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، التي تعنى بالتطوير العقاري في المدينةالمنورة، حيث يأتي المشروع تفعيلاً لجهود الصندوق الهادفة لتطوير القطاعات الواعدة تماشياً مع رؤية المملكة. 30 مليون معتمر وأكد سمو ولي العهد - حفظه الله - أن المشروع يتماشى مع مستهدفات الرؤية في رفع الطاقة الاستيعابية لتيسير استضافة 30 مليون معتمر بحلول عام 2030 وسيتم تنفيذه على أعلى المعايير العالمية، ما يعكس حرص المملكة على الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن بالمدينةالمنورة بوصفها وجهة إسلامية وثقافية عصرية، كما أشار سمو ولي العهد - حفظه الله - إلى أن المشروع سيقام على مساحة إجمالية تقدر ب1.5 مليون متر مربع، حيث يستهدف إنشاء 47 ألف وحدة ضيافة بحلول عام 2030، إضافةً إلى الساحات المفتوحة والمناطق الخضراء التي تيسر وصول الزوار إلى المسجد النبوي الشريف، إذ سيتم تخصيص 63 % كمناطق مفتوحة ومساحات خضراء من مساحة المشروع. معايير عالمية ويتميز المشروع الذي تم تصميمه وفق أعلى المعايير العالمية؛ بالعديد من الحلول المتكاملة للنقل وتشمل تسع محطات لحافلات الزوار، ومحطة قطار مترو، ومسار للمركبات ذاتية القيادة، ومواقف سيارات تحت الأرض، وذلك بهدف تسهيل تنقل الزوار إلى المسجد النبوي، بما يسهم في دعم النشاط السكني والتجاري، وكذلك توفير العديد من فرص العمل، ويهدف المشروع للارتقاء بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن بالمدينةالمنورة كوجهة إسلامية وثقافية عصرية، حيث يعتمد على آليات التخطيط الحضري الحديث ومفاهيم التطوير الشامل والبنية التحتية المتطورة التي تقدم الخدمات المبتكرة، بما يسهم في تحسين جودة الحياة ويعزز سبل الراحة والرفاهية وبالتالي إثراء تجربة سكان وزوار المدينةالمنورة، حيث سيعزز مستوى الخدمات المقدمة لهم، ويرفع الطاقة الاستيعابية الفندقية وجودة الخدمات شرق المسجد النبوي الشريف. مساجد تاريخية وتحظى المساجد التاريخية في المدينةالمنورة باهتمام كبير من سمو ولي العهد - حفظه الله - وفي مقدمتها مسجد قباء بالمدينةالمنورة الذي يشهد أكبر توسعة تاريخية، أعلن عن إطلاقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - تزامناً مع زيارته للمدينة المنورة، وصلاته في مسجد قباء يوم السابع من شهر رمضان المبارك لعام 1443ه، حيث وجه - أيده الله - بتسمية المشروع باسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، المشروع المبارك عند اكتماله سيضاعف مساحة المسجد عشرة أضعاف بهدف استيعاب أكبر عدد من المصلين في أوقات المواسم والذروات، كما أنه يبرز الأهمية الدينية ويوثق الخصائص التاريخية لمركز قباء، ويحافظ على الطراز العمراني والمعماري، ويحمي المعالم التاريخية القريبة منه. ولي العهد مصلياً في مسجد قباء وزافاً البشرى بالتوسعة الكبرى الحرم النبوي روحانية المكان