المؤرخ فيلكس مانجان (Felix Mengin) لمن لا يعرفه هو مؤرخ فرنسي قدم إلى مصر صحبة حملة نابليون، وبقي فيها بعد انسحاب الحملة، وقد كانت تربطه علاقة مع محمد علي وحكومته، لقد مكنته علاقاته أن يكون شاهد عيان على كثير من الأحداث السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة، بل ويكون مشاركاً في صنع بعض القضايا السياسية والعلمية التي توجها أخيراً بتأليف كتابيه: (تاريخ مصر في عهد محمد علي) و(مختصر لتاريخ مصر في عهد محمد علي)، ويهمنا هنا ما قاله هذا المؤرخ العبقري عن صمود الدرعية ورجالها أمام القوات العثمانية الغاشمة في أواخر عهد الدولة السعودية الأولى، حيث قال: "على الرغم من التدمير الشنيع الذي قامت به القوات العثمانية في الدرعية وما حولها، إلا أن هناك ما يدل على أنها ستعود من جديد". إن شعور المؤرخ هنا بعودة هذه المدينة مرة أخرى للحياة والازدهار لم يأتِ من فراغ، بل بني على عدة معطيات كانت أمامه، وعلى رأسها وجود اللأئمة والقادة المحنكين من أسرة آل سعود، والتفاف الشعب حول قيادته، واستشعار قيمة الأمن التي كانت سائدة إبان الدولة السعودية الأولى، ووجود القيم والمبادئ النبيلة، لكل هذا قامت الدولة السعودية الثانية بعد سبع سنوات فقط. واليوم - ولله الحمد - وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - تقف الدرعية شامخة وكمصدر إشعاع حضاري وثقافي يتجاوز في تأثيره حدود المنطقة، ولو قدر للمؤرخ مانجان زيارة الدرعية في موسمها اليوم لرأى جولات لونجين العالمية لأبطال قفز الحواجز، وبطولة جولة العالم لكرة السلة، وكأس الدرعية للتنس، ومباريات كرة القدم بين أشهر الأندية العالمية، وكأس السوبر الإسباني، وكأس السوبر الإيطالي، وسباق فورملا إي الدرعية، ومهرجان الدرعية الحضري، وليالي الدرعية، ونزال الحقيقة، ومطل البجيري الرائع، واحتفالات المواطنين بيوم تأسيس وطنهم الذي كانت الدرعية الخالدة نقطة انطلاقه عام 1139ه.. إلخ، وغيرها الكثير من الفعاليات والبرامج التي جعلت العاصمة السعودية الأولى التي تنبأ مانجان بعودتها، تحجز مكانها - ولله الحمد - ليس على مستوى الخارطة الوطنية، بل والخارطة العالمية. لقد تم كل ذلك بجهود القيادة الرشيدة، وملكات الإنسان السعودي المتجددة.. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وهذا الوطن الغالي.