تزعزع مستوى الثقة بالله عز وجل يخلف تراكمات نفسية مؤلمة، وتفتقر إلى اليقين سور الحماية الحصين، الذي من شأنه ترسيخ القناعة لحماية مساحة الخير في القلب وإشاعة الفضيلة في النفس، ولا ريب أن المرء يبيت مرهوناً بالنفس ومواجهتها بما يتوجب عليه فعله تجاه اطمئنانه واستقراره، إنه اختبار تكييف وتطويع القلب للمساحات الرحبة الحاضنة لطاعة الرحمن. من ضمن الأضرار التي تصيب النفس وتؤذي البشر وتفضي إلى الضعف والهوان واهتزاز الإيمان الاستسلام للوساوس وكيد الشيطان لتعيث في الذاكرة فساداً وتهيمن على المشاعر بزرع أوهام تكتنفها الريبة من كل حدب وصوب. الآفات المؤذية التي تخالج النفس لا سبيل لمواجهتها إلا برفع مستوى الحماية وتشكيل حائط صد متين على قدر كبير من العلو والرفعة وفي إطار دائرة التهذيب الملهمة لكل فضيلة لتحتوي الفكر والذهن والقلب السليم التواق إلى ملاقاة الباري عز وجل كما وعد، ووعده الحق، كل نفس فيها الخير والشر وقد حذرنا المولى في كتابه الكريم من الفجور هذا الجزء الشرير المهيمن على النفس لخلخلة الثقة بالمولى وصرفه عن الدعاء والتقرب إليه سبحانه، إلى ذلك فإن المبالغة والإفراط في القلق والخوف من الأمور الغيبية كالعين والسحر والحسد يساهمان في تكريس رؤية هلامية وهي لا تعدو عن كونها آثاراً نفسية تصيب البشر، فلا يخلو الأمر من ضغوطات تنسحب على الأفراد ويتم تجاوزها بصرف التفكير عنها وعدم منحها كبير اهتمام، يقال الشيطان يكمن في التفاصيل، وهكذا يتمكن من التسلل مستغلاً الغفلة لتحقيق مآربه، إن الإذعان لخلجات النفس المتسمة بالوقار يعبر بالمرء إلى حياة هانئة مستقرة يقودها العقل الكبير المتزن الذي يأبى أن يكون أسيراً للخطيئة، فالإنسان يتعلم كل يوم ومن كل شيء بل إن التجارب تسهم في صنع الحكمة في كثير من الأمور، والفكر بطبيعة الحال في حالة حراك دائم أي أنه لا يستقر على نمط معين فهو أشبه بحصان يبيت ترويضه ضرورة حتمية للحد من تسرب الجنوح المفضي إلى الشك والريبة، إن من أخطر المسائل التي تواجه الإنسان حينما يتجاوز مرحلة الإدراك ويقفز باللاشعور نحو صيغة منهكة جراء الانقياد للمسائل الغيبية وما تخلفه من تشويش وإرباك مقلق، من هنا فإن مسألة الإدراك بشكل كامل فيه من المبالغة والمكابرة الشيء الكثير إذ إن هناك أموراً لا يدركها الإنسان لحكمة أرادها المولى سبحانه وتعالى رحمة بعباده، وكلما اتسعت الهوة بين الواقع والمعطيات المنطقية بقياس اليقين ساقت في أتونها دواليب الشر غير المرئية والمسموعة، ومن ضمنها انتشار أساليب وممارسة الشعوذة والأدهى والأمر أن تنطلي هذه الأكاذيب والحيل، على أناس مؤمنين بربهم، ويتواصلون مع الرحمن الخالق الديان خمس مرات في اليوم والليلة، أن تصديق هؤلاء الأفاكين وطلب العون منهم من الخطورة بمكان وقد جاء التحذير والوعيد الشديد، لمن سألهم وصدقهم، لأن طلب العون من غير المولى من الشرك بالله ومعنى ذلك إشراكك من لا يملك لنفسه وللآخرين ضراً ولا نفعاً، فكيف سينفعك وهو لم ينفع نفسه، وكيف يضرك، وهو لا يملك إلا شكوكك ليعبر من خلالها بصيغة الإيحاء وإشعال الحرب النفسية لتتشكل الأوهام، على نحو يحاكي المشاعر والأحاسيس وهي لا تعدو عن كونها، تفاعلات نسج منها الخيال المريض خيوطاً مضرة مؤذية، فبات حرياً لجم المؤثرات الشيطانية وكبح جماح النفس والاتكاء على سلامة النية وحسن الطوية وكف الأذى وحب الخير للناس، إن من أنبل السلوكيات المؤطرة لحسن الخلق والمعززة لدور الحكمة مراجعة الفكر، ومتى ما تلازمت محاسبة النفس ومراجعة الفكر فإنهما بلا ريب يؤسسان لقاعدة صلبة متماسكة يتكئ عليها الاتزان كمحور مؤثر في رصد الحركة، بل وتوجيهها بما يتواكب مع المستجدات بصيغة منطقية خلاقة إذ إن معطيات كل مرحلة تتغير طبقاً لظروف كل مرحلة، غير أن التعاطي مع كل المراحل، مع ما يتطلبه من مرونة يجب ألاَّ يؤثر على صلابة المبدأ واستقرار الأساس، نسأل المولى تبارك وتعالى الثبات على الاستقامة واليقين إنه على كل شيء قدير.