بعيدا عن مشاهد الدمار واسعة النطاق التي نجمت عن الزلزال العنيف الذي ضرب تركياوسوريا الأسبوع الماضي، من المتوقع أن تتسبب الآثار المترتبة عليه في إحداث تغييرات في التفاعلات السياسية بكل من البلدين. ويقول الباحث الأمريكي هنري جيه باركي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ليهاي وزميل كبير في شؤون الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، إن من السابق لأوانه التأكد من التداعيات الكاملة للزلزال. وأوضح باركي أنه في سورية ضرب الزلزال وتوابعه إدلب، المنطقة الأكثر دمارا جراء الحرب الأهلية في البلاد وواحدة من آخر الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة. ويضيف هذا المزيد من البؤس، خاصة وأن الحكومة السورية ستعطي الأولوية لمصالحها الخاصة على حساب السكان المتضررين. ويضيف باركي أن من المفارقات أن تركيا، التي تقع على نفس خطوط الصدع الجيولوجي مثل سورية، هي الخصم الرئيس لدمشق في نفس المنطقة التي ضربها الزلزال. ومع ذلك، كانت تركيا تناور مؤخرا لإصلاح علاقاتها مع سوريا. ويمكن أن توفر الكارثة المشتركة الذريعة اللازمة للإسراع بهذه العملية. وتحملت إدلب وطأة الكارثة. وحتى الآن، وفي ظل اقتصار مساعدات الأممالمتحدة على معبر حدودي واحد، كان تدفق إمدادات الإغاثة للمناطق المتضررة في سوريا ضئيلا، أو منعدما. واتهمت منظمة "الخوذ البيضاء"، وهي المنظمة غير الحكومية الرئيسية العاملة في المنطقة، الأممالمتحدة بعدم تقديم مساعدات كافية. وسوف تستسلم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لإغراء استغلال هذه الكارثة لإعادة توحيد البلاد تحت سيطرته. وقد أشار الأسد بالفعل إلى أنه يريد تنسيق جميع عمليات الإغاثة مع الحكومة المركزية في دمشق، رغم أنه لا يسيطر على مناطق السكان الأكثر تضررا. ولتسهيل جهود الإغاثة، يجري مسؤولو الحكومة ومنظمة الصحة العالمية مناقشات حول إعادة فتح معبر حدودي مغلق منذ عام 2013. ويقول باركي إنه على الرغم من التأكيدات المتكررة بأن تركيا قد تعلمت الدرس من زلزال عام 1999، يشير حجم الكارثة الحالية إلى أن السلطات كانت مقصرة تماما في استعداداتها. ومن الواضح أن مليارات الليرات التركية التي جمعتها الحكومة من خلال ضريبة خاصة تتعلق بالزلازل لم تستخدم في تعزيز البنية التحتية للمنطقة المتضررة أو قدرات نظام الاستجابة للطوارئ في البلاد. وفي الواقع، تم تخفيض ميزانية هيئة إدارة الكوارث والطوارئ (أفاد)، وهي منظمة الإنقاذ الرئيسية في البلاد، بنسبة 33% في الميزانية الوطنية لعام 2023. والأسوأ من ذلك هو قرار صدر في عام 2018 يتضمن عفوا يضفي الشرعية على وضع آلاف المباني التي تم أقيمت بشكل غير قانوني، دون وثائق أو عمليات تفتيش مناسبة. وكل ما كان على السكان فعله هو دفع غرامة، عززت ببساطة خزائن الدولة. وفي عام 2019 وخلال زيارة لكهرمان مرعش، مركز الزلزال، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان بفخر أنه من خلال هذا العفو، "حلت الحكومة مشكلة 144 ألفا و556 مواطنا من مرعش وحدها". وفي الواقع، لم تكن "المشكلة" بالنسبة له هي أن المواطنين يعيشون في مساكن سيئة البناء وغير مستقرة، بل كانت عدم قدرتهم على الحصول على وثائق ملكية للمباني التي وصفت بأنها "غير قانونية". وبجرة قلم بسيطة، أصبحت هذه الإنشاءات آمنة بشكل فعال، ولكن الزلزال أثبت غير ذلك. وكانت استجابة الإغاثة من قبل السلطات التركية سيئة التنسيق ومتأخرة، ولا يزال هناك العديد من المناطق المنكوبة في انتظار الإمدادات والمتطوعين. وعلى النقيض من ذلك، كانت استجابة المجتمع المدني مثيرة للإعجاب، فقد تدفق المتطوعون، وطرود المساعدات من أنحاء البلاد، مع أخذ السكان المحليين زمام المبادرة لإنقاذ الضحايا. وقد لخص الأستاذ المساعد في جامعة كردستان هيولير، أرزو يلماز الأمر ببساطة حين قال: "لا توجد دولة ولكن يوجد شعب". ويرى باركي أن من الواضح أن ضخامة الكارثة هزت أردوغان، وقد استغرق الأمر منه بعض الوقت للظهور علنا، وركزت الكثير من تصريحاته ورحلاته عبر المناطق المنكوبة على حماية الدولة وإدارته. وكما هو متوقع، بدأ في البحث عن "المذنب"، أي البنائين وممارسي أعمال النهب الذين يمكن أن يوجه لهم أصابع الاتهام، وبالتالي دفع اللوم إلى بعيد. ويضيف أن من الصعب تصور أن المنطقة يمكن أن تتعافى بما يكفي لإجراء الانتخابات. وأوضح أن التحدي لا يكمن فقط في دمار الممتلكات والخسائر في الأرواح، ولكن أيضا حقيقة أن العديد من السكان من المرجح أن يتفرقوا في أنحاء تركيا بحثا عن مأوى مع العائلة والأصدقاء. ومن بين الولايات الأربع المنكوبة (أديامان وغازي عنتاب وهاطاي وكهرمان مرعش)، لم يفز حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان بأغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 إلا في واحدة، هي هاطاي. إن المشكلة التي تواجه أردوغان هي أنه لا يستطيع سوى تأجيل الانتخابات إلى 18 يونيو، وهو آخر موعد ممكن على الإطلاق، ومدة الشهر الإضافي لن تحسن بشكل كبير الظروف على الأرض. وينص الدستور على أنه فقط خلال حالة الحرب يمكن تأجيل الانتخابات لمدة تصل إلى عام. ومع ذلك، ألمح أردوغان إلى أن هذه الانتخابات يمكن أن تجرى بعد عام من الآن، مع الانتخابات البلدية المقررة. ويتمتع الرئيس بسيطرة كاملة على مؤسسات الدولة والمجتمع، وخاصة القضاء. لذلك ، قد يكون من الممكن له أن يبتكر حلا يصب في صالحه. ومع ذلك، من الصعب تقييم مسار الهزات الارتدادية السياسية لهذا الزلزال، حيث من المتوقع حدوث المزيد من التوابع السياسية مستقبلا، وليس من المرجح أن تكون في خط مستقيم، أو أن يمكن التنبؤ بها. وفي ظل مشكلات اقتصادية لا تعد ولا تحصى، تواجهها البلاد، كان أردوغان بالفعل يواجه أصعب معركة لإعادة انتخابه في حياته قبل الزلزال، على الرغم من أنه بدا أنه يحتفظ بأرضيته من خلال التلاعب بالنظام القانوني والقضاء على المعارضين والسياسيين والأحزاب. ومن المؤكد أن الزلزال سيقلب حسابات الناخبين رأسا على عقب. وعلى الرغم من مهاراته السياسية، يواجه أردوغان تسونامي من السخط لا يعرف الرحمة.