أكثر من سبعين أميركياً لقوا حتفهم بحوادث إطلاق النار العشوائي قبل أن ينتهي الشهر الأوّل من عام 2023، في أزمة تزداد سوءا كل عام دون حلول تلوح في الأفق. فخلال الأسبوع الماضي وحده شهدت الولايات الأميركية ثلاث حوادث إطلاق نار، اثنان منها في شمال كاليفورنيا حيث قتل 7 أشخاص وانتحر مطلق النار. وخلال الأسبوع ذاته، روّعت حالة فريدة من نوعها أهالي الطلبة في ولاية فيرجينيا بالقرب من العاصمة واشنطن، حين أطلق طفل بعمر الست سنوات النار على معلمته ببندقية اصطحبها معه إلى المدرسة. وبحسب آخر الإحصائيات، فإن عام 2022 كان ثاني أكثر عام دموي في التاريخ الأميركي بسبب حوادث إطلاق النار العشوائية التي تتكرر في أميركا إذ يفوق عدد السلاح المنتشر بأيدي المواطنين عدد سكان أميركا. وبحسب إحصائية أخرى، اشترى الأميركيون ما يقدّر بنحو 150 مليون بندقية في العقد الماضي، مع زيادة ملحوظة في مبيعات السلاح خلال فترة وباء كوفيد لتصبح أميركا صاحبة أكبر معدّلات امتلاك المواطنين للأسلحة النارية في العالم وتليها في القائمة اليمن بمعدل يصل إلى نصف المعدّل الأميركي. ويتضاءل الأمل بسن تشريعات تحظر أو تقنّن انتشار السلاح مع سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب في الكونغرس الأميركي واستمرار حالة الانقسام السياسي. تجارب فاشلة في تقنين حمل السلاح هزّت حادثة "ساندي هوك" في عام 2012 المجتمع الأميركي حين قتل 28 طفل في مدرسة ابتدائية بولاية كونيتيكيت على يد مختل عقلياً هاجم المدرسة وأطلق النار على الأطفال. ودعت هذه الحادثة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى إطلاق حزمة من القوانين التي استهدفت الحد من انتشار الأسلحة في أميركا وتحسين إجراءات الطب النفسي وحماية المدارس إلا أن مقترحات أوباما قوبلت برفض الكونغرس الأميركي رغم محاولات أوباما استخدام سلطته التنفيذية لتمرير القانون. وكان الرئيس أوباما من أكثر الرؤساء الأميركيين المصممين على التعامل مع مشكلة انتشار الأسلحة النارية في الشارع الأميركي، غير أن محاولاته بائت بالفشل بعد أن اعتبرها الكونغرس ومحبي السلاح في أميركا بمثابة تحدّي لهم وعملوا على إفشالها. ومن اللافت أن مبيعات السلاح في أميركا في عهد الرئيس أوباما ارتفعت لتصل إلى مستويات قياسية خوفاً من قوانين تحد من بيع السلاح آنذاك. بايدن أضعف من احتواء مشكلة انتشار السلاح من جديد يحاول الرئيس الأميركي التدخّل لوقف أحداث إطلاق النار المروعة التي تشهدها الولاياتالمتحدة، حيث قال الرئيس بايدن في بيان الأسبوع الماضي "بينما ننتظر مزيدًا من التفاصيل حول عمليات إطلاق النار هذه، فإننا نعلم أن ويلات العنف المسلح في جميع أنحاء أميركا تتطلب إجراءات أقوى". وحثّ بايدن غرفتي الكونغرس مرة أخرى على التحرك بسرعة وتسليم قانون حظر الأسلحة الهجومية إلى مكتبه لتوقيعه، إلا أنها تبقى دعوة بروتوكولية لا يمكن أن ترى النور في ظل الانقسام الحاد في الوسط السياسي الأميركي حول شعبية الرئيس بايدن وحق حمل السلاح الذي أصبح موضوعاً شائكاً يستحيل حسمه دون توافق تاريخي بين الحزبين.