الخبر الذي أوردناه اليوم في ركن الوراق عن صدور كتاب "القوة القاهرة ل كليمون روسي" والذي يتناول سِجال طويل مع فلاسفة ومُفكري عصره في موضوع الوجود وسُبل عيشه، أعاد إليّ السجالات الدائرة حول الفلسفة، وهل هي علم أم خلاف ذلك، والفئات التي اعتبرت الفلسفة تابوه محرم في فترات من فترات تاريخنا الإسلامي، وبات مشهوراً لديهم العبارة الشهيرة: "من تفلسف فقد تمنطق ومن تمنطق فقد تزندق"، والذي رد عليها الفيلسوف المسلم ابن سينا بقوله: "من لم يتمنطق فلا ثقة في علمه". السجال الذي دار بين الإمام الغزالي وابن رشد، في كتابيهما، "تهافت الفلاسفة، وتهافت التهافت" التي قرأتهما صغيراً، ثم تشوقت لإعادة قراءتها حديثاً. يهاجم الغزالي في تهافت الفلاسفة الفلسفة اليونانية باعتبارها فلسفة مادية، لا ترتبط بالايديولوجيا الدينية، بخاصة بعد أن جاءت رسالة الإسلام المنبعثة عن الوحي وعن النقل المقدم على العقل لدى بعض المذاهب الإسلامية، وأن لا مشاحة بين النقل المتمثل في الشرع المنقول وبين العقل الذي يقرر الحق المعقول حسب الغزالي. فيما رد ابن رشد في كتابة "تهافت التهافت" على آراء الغزالي بعد وفاة الأخير ب 15 عاماً، بمعنى أنه لم يكن سجالاً مباشراً، ولم يلتقي الطرفان أثناء تلك المناظرة، وإنما ناقش بن رشد ما طرحه الغزالي، وأضاف إضافات مهمة بتقديمه للفلسفة اليونانية، فلسفة أرسطو مثلاً، واضعاً منهاجاً عادلاً لتفاعل الأفكار بين الحضارات المختلفة، وبين المتقدمين واللاحقين، فالعدالة مع "الذات" تقتضي العدالة مع "الآخرين". وابن رشد الذي آمن ككل فلاسفة الإسلام بوحدة الحقيقة، قد رأى أن أساليب التعبير عنها متفاوت بتفاوت مراتب المتعلمين ومراتب المخاطبين في صناعة الفلسفة والبرهان. الحديث حول هذه السجالات حقيقة شيق جداً، ويحتاج إلى تداخل المفكر السعودي الشاب شايع الوقيان، بما يقدم من طرح فلسفي متميز ينحو لأن يكون لدينا فلاسفة كبار يقدمون الفكر العربي السعودية من منظور مغاير عنما كان ينظر له الآخر عن الثقافة السعودية، كونها ثقافة إنسانية لا تنفصل عن باقي البشر، فالتجنيس في العلم غير مطلوب لكني أردت هنا أن أقرر أمراً مهماً أن بلادنا مليئة بالعلماء والمفكرين العباقرة.