من خلال تلك الكوة المعتمة استطعنا أن نتعرف على قصص قصيرة لشخصيات متنوعة، يغلب عليها أن تكون قصص لسيدات، وجوانب خفية من حياتهن وأفكارهن ورغباتهن المخفية عن العيون.. تتنوع الشخصيات في هذه القصص ما بين الواضحة والصريحة أو مستهترة غير مبالية، وأخيرا شخصيات حالمة، أو تكاد تظهر بمظهر الجنون والبله وفقدان الذاكرة. يبدأ "فيصل غمري" مجموعته القصصية بسؤال: (ماذا لو لم يقتل قابيلُ هابيلَ؟)، وكأنه يريد أن يشير إلى نوعية العلاقات في قصصه.. قد يضرك ويسيء إليك من هو أقرب الناس لك.. سواء في علاقة الأم وأبنائها، كما أوردها في قصتي (الأم، ريم) حيث نلحظ أنها ظهرت بنموذجين متناقضين.. أو في علاقة المرأة بزوجها الذي شرعت بقتله ليلة الزفاف لأنها تعاني من عقدة في الطفولة (الباب).. في القصص التقاطات ولمحات ذكية لأحداث قد تكون بسيطة وربما تمر في حياتنا بشكل عادي ولا نعطيها أي اهتمام، حتى الحيوانات والحشرات الصغيرة لم يفت "غمري" أن يتحدث عنها وينظر لتحركاتها بمنظور فلسفي وتفكير يجعلك تتساءل هل فعلا خطر على ذهن تلك الحشرة هذا الأمر؟ كما نرى في القصص (المصير، بيوت واهنة، نهاية قط شجاع).. وللجمادات نصيب من القصص، وكأنها تحولت إلى شخصية من عقل وروح، تفكر وتتأمل وتحلل (مانيكان، مذكرات مسدس عيار 6)، وكأنه يريد أن يقول إن هذه الجمادات وهذه الحيوانات يمكن أن تدرك وتعي وتفكر كما تفكر أيها الإنسان، ولكن امنح نفسك الوقت لتتأملها وتحاول فك شفرات تصرفاتها. تظهر المرأة بشكل قوي في النصوص، بأدوار مختلفة، لكل منهن مسحة من جمال، وكأنه يؤمن بالمقولة التي تقول إن (كل أنثى جميلة بطريقة ما)، ولكن شخصياتهن وطباعهن تختلف كثيرا كما في الواقع، ولكن يغلب عليهن الصفات القبيحة، إما أن تكون واشية، أو مراوغة ولعوب، أو خائنة من وجهة نظر البطل، أو مريضة نفسيا، أو أو ... أما الرجل ففي الغالب تكون أدواره ثانوية في حياة هؤلاء النسوة. للمرآة حضور مكثف في قصص فيصل غمري، هل يأمل منها أن تكون انعكاس لما في داخل هذه الإنسان، داخله المعتم، والذي يمكن أن تطل عليه من خلال كوّة تكشف عقله وتفكيره.. لترى أن كل الأفكار تقبع هناك في الظلام، ولكن كيف لها أن تخرج؟ هل ستخرج مظلمة، مشتتة، وقبيحة، أم أن الإنسان يستطيع تهذيبها ومنع السيئ منها من الظهور والتأثير على حياته وحياة كل من يحيط به؟ يمكن أن نقول إن هذه المجموعة القصصية تحمل طابعاً اجتماعياً من خلال تعريجها على موضوعات اجتماعية قد يتحدث عنها الجميع باستفاضة ومقالات وبرامج، ويأتي "فيصل غمري" ويطرحها في قصة قد لا تتجاوز بضع صفحات ليتحدث بسلاسة عن قضايا شائكة، مثل استهتار الناس بالعزاء، الحياة الروتينية المملة والتي تجعل الحياة مستحيلة الاستمرار بين الزوجين، قضايا العنوسة والطلاق، وغيرها من القضايا التي تمس حياة المجتمع بكافة أطيافه. الجدير بالذكر أن "كوة معتمة في جدار عالٍ".. مجموعة قصصية جديدة للقاص والمسرحي السعودي فيصل غمري، تحوي قرابة 25 قصة، تقع في 160 صفحة من القطع المتوسط، وهي من منشورات مركز الأدب العربي بالتعاون مع نادي الجوف الأدبي لعام 2022.