رقة عواطف المرأة تتمازج مع الأحلام وتعشقها عشق الشعر للجمال.. المرأة كتلة من العواطف الجياشة ولكنها تخفيها في كثير من الأحيان.. إما حياء.. أو لأن رجلها خشن معها.. فالخشونة تئد عواطف المرأة في داخلها وتحيلها إلى شعور حزين. من الصعب وصف (رقة عواطف المرأة) فهي كالجو اللطيف الذي يحيط بك.. تحس به.. تنتعش معه.. ومنه ولكنك لا تستطيع الاحاطة بوصفه. الشعر وحده قد يصف لنا جوانب من (رقة عواطف المرأة).. لأن الشعر جميل والعواطف جميلة ، ولأنه - مثلها رقيق وله أجنحة تطير كالفراشات الملونة في البساتين..ومع هذا لم يصور الشعر النسائي رقة عواطف النساء بفضائها الهائل.. فهناك قيود اجتماعية كبلت المرأة على مر العصور.. وكبتت مشاعرها.. ودفنت عواطفها في صدرها.. وربما قالت أشعاراً لم تنشرها.. وربما بلعت رمال النفود في صحراء العرب كثيراً من عواطف النساء.. ودموعهن.. ودمائهن. ورغم كل القيود والسدود.. جسدت بعض الشاعرات عواطفهن الرقيقة في أشعار مجنحة.. تكاد من رقتها تذوب.. خاصة في العصر الحديث حيث خف الضغط الاجتماعي على المرأة نسبياً.. وتلاقحت الثقافات.. واتسعت الآفاق.. وانداحت المساحات ، فغردت بعض الشاعرات بعواطفهن كالبلابل الصداحة.. تقول سعاد الصباح: مولاي!!.. إن جاءك هذا الخطاب أوراقه من شوق روحي لباب حروفه من ذوب قلبي المذاب وعطره من كأس حبي رضاب فلا تكن من لهفتي في ارتياب مولاي! قلبي في انتظار الجواب والفراق والهجر والحرمان تشعل النيران في عواطف المرأة شوقاً للحبيب البعيد تظل تذكره دائماً وتسكنه أعماق قلبها وتروي شجرة ذكرياتها معه بدموعها حتى تظل حية خضراء تحتمي بها وتنتظر عودته بكل جوارحها وتناجيه بكل مواجدها ،وتناديه وتعتذر منه وتتلهف عليه، وتحب مكان لقائها به، كما في قصيدة فدوى طوقان: هذا مكانك ها هنا محراب أشواقي وحبي كم جئته والدمع، دمع الشوق مختلج بهدبي كم جئته والذكريات تفيض من روحي وقلبي يمددن حولي ظلهن وينتفضن بكل درب هذا مكانك كم أتيت إلى مكانك موهنا تمضي بي الساعات لا أدري بها وأنا هنا روح أصاخ لهتفة اذكرى وللماضي رنا يتنسم الجو الحبيب ويستعيد رؤى المنى هذا مكانك أين انت واين اطياف الفنون؟ المقعد الخالي يحن إليك مرفقه الحنون أسوان يرمقني وقد أهويت أنشج في سكون ومواجدي ملهوفة النيران تهدر في جنون قلبي يئن يلوب في ألم يسائل في شرود: لم لا يعود؟ فلا يجيب سوى صدى «لم لا يعود»؟ وأروح في شفتي اشعار وفي كفي عود واعاتب الأيام والزمن المفرق والوجود «لم لا تعود؟ أنا هنا وحدي بهيكل ذكرياتي وحدي ولكني أحسك في دمي في عاطفاتي أصغي لصوتك للصدى المنغوم في أغوار ذاتي وأراك من حولي، وفي، وملء آفاق الحياة» وفي مقطوعة من الشعر الشعبي تقول (مليحة الفودري) بعنوان: (محتاجة لك) محتاجه ابكي وانا قربك سنين محتاجه اغفي في دفا عطرك وانادي لك عصافير الحنين وتسقي ينابيعي ظما رملك واسافر لك واسافر بك واسافر فيك وانساني واغيب.. محتاجه لك لأن الوله، كل الوله دمعه تبي تشتكي المغيب ولان الفرح بسمه من شفاه الحبيب ولان الجفا طفل فقد حضن الوفا والدنيا مثل الساقيه.. وجه الجروح الماضيه ولو اتبعك يمكن تبيع وانا من دونك.. اضيع ديوانها (بقايا كحل من عيون سود) وكان رجال نجد - قبل توحيد المملكة التاريخي - يهاجر كثير منهم إلى العراق أو الشام أو الهند.. ومن أمثالهم المعروفة (الهند هندك لا قل ما عندك.. والشام شامك لا من الزمن ضامك).. يهاجر الرجل ويترك زوجته الحبيبة وصغاره الغالين طلباً للرزق.. وقد تطول به الغربة.. وقد يوفق أو لا يوفق.. يعود أو لا يعود.. وحل الربيع بنجد في أحد الأعوام.. والربيع تهيج به ومعه العواطف.. ويحلو الحب.. فأرسلت امرأة نجدية هذه الأبيات لزوجها المهاجر: يا راكب من فوق خمس بكرات متحنيات كنهن الاهله قل له: ترى نجد زهاه النبات وما فيه خل الا نهج يم خله لقد عبرت عن رقة عواطفها وشدة أشواقها ببيت واحد بليغ.. فالربيع جمع الخلان وجعل الأحباب (ينهجون) أي يسرعون للقاء بعضهم، بما فيهم الطيور والأنعام.. الربيع هو مسرح الحب وأحلى أوقات اللقاء.. والمرأة يغلبها الحياء فترمز لشوقها وعواطفها بهذه الصورة الجميلة لنجد الزاهية بنباتها وربيعها وروائحها الزكية حيث يسرع الأحباب إلى لقاء الأحباب واغتنام جمال المكان والزمان في تبادل الحب والغرام. *المادة معده للنشر قبل وفاة الكاتب رحمه الله نفود صحراء العرب بلعت عواطف النساء د. سعاد الصباح