وزارة الموارد البشرية السعودية أقرت في أكتوبر 2019 ضوابط مهمة، تضمن توفير الحماية من التعديات اللفظية والسلوكية في بيئة العمل بالقطاع الخاص، وتشترط اتخاذ كافة التدابير الوقائية لمنع الخلوة بين الجنسين في مكان العمل، ومن أبرز التجاوزات، الإساءة اللفظية المباشرة أو باستخدام الإيميل أو مجموعات العمل على (زووم) وغيرها.. في ديسمبر الحالي تناول الإعلام العالمي أرقاماً مزعجة عن العنف الوظيفي في مكان العمل، وبالأخص أشكاله اللفظية والجسدية والجنسية، وجاء ذلك بعد أن أفرجت منظمة العمل الدولية عن تقريرها لعام 2022، وفيه أن واحدا من كل خمسة موظفين في العالم تعرضوا لهذا الصنف الرديء من التعسف الإداري، والنوع الاجتماعي أو الهوية الجنسية لا تغير في المعادلة، فقد يكون الرجل ضحية تعنيف في بيئة العمل من قبل مديرة أو رئيسة متسلطة والعكس، والإحصاءات أجريت في 2021 على أكثر 75 موظفا في 121 دولة، وأظهرت أن معظم ضحايا العنف من الشباب والمهاجرين والعمالة، وتحديداً النساء وبمعدل الضعف، والمتوسط العالمي لحالات العنف الوظيفي متحفظ نسبياً، في رأيي، فهو لم يتجاوز 23 %، وما سبق يؤكده اعتراف التقرير نفسه أن أكثر المعنفين يلتزمون الصمت لأسباب وظيفية. هذه الظاهرة أكثر ضخامة في المنطقة العربية باستثناء دول الخليج، لأن البطالة في الأولى مرتفعة وستواصل ارتفاعها، وعلاقات القوة داخل أسواق العمل فيها مرتبكة وعشوائية، ولا يوجد لديها تنظيم رقابي فاعل في معظم الأحيان، أو حتى معرفة من قبل الموظف العربي أن ما يمارس بحقه يشكل تجاوزا عليه، والمختصون العرب يقدرون العنف الوظيفي داخل دولهم بما لا يقل عن 35 %، وبفارق 12 % عن متوسط منظمة العمل الدولية، ويربطون السكوت عليه بعمليات المقايضة للترقية أو زيادة الراتب، ومعها المحافظة على الوظائف التي يشغلونها، والمسألة محكومة بالقوة التفاوضية للموظفين أمام أصحاب القرار في مسارهم الوظيفي، وأسر لي صاحب عن نصيحة أخبره بها شخص متمرس في العمل الحكومي المحلي، أوصاه فيها بضروره التودد والاستسلام الكامل لرئيسه المباشر، والذي يشغل وظيفة تنفيذية في إدارة متوسطة، لضمان حصوله على تقييم أداء عالٍ وترقية، وقد أخذ بالمشورة، والنتيجة أنه تفوق على زملائه الأكثر كفاءة رغم إمكاناته العادية، وتركهم يتساقطون من حوله كأصنام إبراهيم. في أميركا أجريت دراسة على العنف الوظيفي من المدير المباشر، ووجد أنها كلفت، في عام واحد، قرابة 23 مليار دولار، وكشفت دراسات عربية أن 75 % من النساء المعنفات في مكان العمل يفضلن عدم الإبلاغ، وإن تعرضن لتحرش أو عنف جنسي، وأحيل ذلك إلى الثقافة الذكورية المسيطرة على المجتمع العربي، التي تحاكم المرأة وتحملها المسؤولية ولا يغير في ذلك كونها ضحية، والمتوسط العالمي للمديرين من الجنسين الممارسين لسلوكيات العنف الوظيفي تصل إلى 60 %، وأغلبهم في أجهزة الحكومة غير العربية وفي القطاع الخاص، ويتم ذلك لأنهم ببساطة لا يفرقون بين المهنية والموضوعية في العمل وبين الديكتاتورية الوظيفية. اللافت أن ثمانية ونصف في المئة من الرجال حول العالم تعرضوا للعنف والتحرش الجنسي، والسابق مأخوذ من ذات التقرير الأممي الجديد، ولعل التفسير الممكن، من وجهة نظري، شغل الرجال لمناصب قيادية في غالبية الشركات، ومحاولة بعض النساء، باختلاف جنسياتهن، التقرب إليهم للحصول على ميزة وظيفية أو ترقية، ومن ثم إحراج المدير وابتزازه بصورة أو مقطع فيديو، وإجباره على فعل أشياء لمصلحتهن، وقليل من الرجال يرفض الانصياع من البداية، ويعتبره تحرشا وعنفا.. وفي المملكة التكتم على أفعالهن وعدم إبلاغ الأجهزة الأمنية قد يكلف القيادي أو المدير غرامة مالية تتجاوز 5300 دولار. وزارة الموارد البشرية السعودية أقرت في أكتوبر 2019 ضوابط مهمة، تضمن توفير الحماية من التعديات اللفظية والسلوكية في بيئة العمل بالقطاع الخاص، وتشترط اتخاذ كافة التدابير الوقائية لمنع الخلوة بين الجنسين في مكان العمل، ومن أبرز التجاوزات، الإساءة اللفظية المباشرة أو باستخدام الإيميل أو مجموعات العمل على (زووم) وغيرها، ويدخل فيها التهديد والاستغلال والتحرش والابتزاز، وكذلك الإغراء والشتم أو التحقير، أو الإيحاء بما يخدش الحياء، أو تعمد الخلوة بالجنس الآخر، والضوابط تعامل الأفعال السابقة باعتبارها وقائع جنائية لا وقائع عمالية، ما يعني أنها محكومة بنظام الإجراءات الجزائية وليس بنظام العمل، وتتراوح عقوباتها ما بين التعويض المالي والحبس. عدم وجود أنظمة ضابطة في مكان العمل يعطي المتجاوز حصانة ضد المساءلة، ولا بد من ملاحظة أمر في غاية الأهمية، وهو أن الكلام عن العنف الوظيفي في منظمة العمل الدولية وفي غيرها محصور في القطاع الخاص، وكأن القطاع الحكومي ملائكي في تصرفاته، وأبعد ما يكون عن شبهات التجاوز والعنف الوظيفي، وفي الحالة السعودية، الموظف العام ليس أمامه إلا رفع شكواه لمن تحامل عليه وعنّفه، أو رفع تظلم إلى المحكمة الإدارية (ديوان المظالم) والثانية تغلب مصالح القطاع العام في معظم قضاياها، ليس وقوفا إلى جانبه بالتأكيد، ولكن لأنه يلجأ إلى أساليب إدارية تشل من حركتها، وتعطلها عن ممارسة اختصاصاتها، وتستغل نطاق عملها المحدود والمقيد بأحكام معينة، ونحتاج لضوابط حماية مشابهة لما وضعته الموارد البشرية في المؤسسات الحكومية.