لا صوت يعلو اليوم على صوتها.. ولا حديث أمتع وأشهر من الحديث عنها، إنها مالئة الدنيا وشاغلة الناس إنها الساحرة المستديرة كرة القدم. شخصيا لست من عشاقها أو متابعيها ولكني وجدت نفسي هذه الأيام متيمة بهذا المحفل الكروي العالمي, مبهورة بكل تفاصيل الحدث, معجبة بهذا الزخم الذي تحظى به هذه المستديرة من اهتمام واستغراق في المتابعة والتحليل والترقب والحماس, فسمحت لنفسي أن أغرق في عالمها المثير أتابع أخبارها ومبارياتها أتصفح صور اللاعبين والجماهير المتزينين بوجوه ملونة وأزياء صارخة أحيانا التقطت بعدسات الصحفيين.. جذبتني تلك المنافسة النظيفة والنزيهة للحصول على اللقب والتربع فوق عرش الكرة العالمي وأسرتني قدرتها على جمع العالم من شرقه إلى غربه منذ عام 1930 أي منذ ثمانين سنة. هذا الاجتياح الكروي يغزو البيوت والعقول والأحاديث والصحافة وما أجمله من اجتياح. أجمل ما في كرة القدم أنها اللغة التي يفهمها ويتكلمها الجميع الصغير والكبير والفقير والأمير.. فهي حق مشروع للجميع حيث لا تفرق بين الأجناس والأعراق والألوان.. فالكل على بساطها الأخضر سواسية. هي بتأثيرها وعشق الشعوب لها جعلت للاتحاد الدولي لكرة القدم المدعو (فيفا) قوة وتأثيرا نافذا يفوق بعض حكومات الدول كما تفوق ميزانيته ميزانية عدة دول نامية مجتمعة, وأمينه العام (سيب بلاتر) يلقى معاملة فاخرة كمعاملة رؤساء الدول حين وصوله في زيارات رسمية. كما أنها نقلت (بيليه) من مهنة ماسح الأحذية إلى وزير دولة ونجم وأكثر الشخصيات تأثيرا حين كان يمطر البرازيل سعادة ويحقن الفرح في عروقها حين يسجل أهدافا وأفراحا لبلاده. و هي ذاتها من صعدت (بمارادونا) - الذي قال ذات مرة لوالديه أنه يريد أن يكون أفضل لاعب بالعالم وبعد عشر سنوات فقط قاد بلاده لنيل اللقب - من عالم الفقر المدقع إلى عالم الشهرة والثراء وجعلت منه أسطورة ومحبوب الجماهير الأول. واسمحوا لي ألا أفوت على نفسي فرصة الحديث عن حميمة مارادونا التي هي من أجمل وأروع وأنبل ما يحدث حاليا بالمونديال مارادونا لاعب الأرجنتين سابقاً ومدرب الأرجنتين اليوم -الفريق الأقرب إلى نفسي- أسر العالم والصحافة بحضوره اللافت والمثير في كأس العالم فهو القريب من لاعبيه يركض ويقفز كطفل حينما يسجل منتخبه, يعانق هذا ويضم ذاك, ويغمرهم بعاطفة الأب والملهم والمحفز.. حميمة تكاد تدمع لها العين من قوتها وصدقها. فهو مازال الإنسان الظريف والمتواضع والبسيط والعفوي في حياته وعلاقاته وانفعالاته وتصريحاته على الرغم من أنه (مارادونا) نعم مارادونا الاسم الشهير واللامع والمضيء كشمس الأرجنتين الدافئة. و لعنصر المفاجأة تأثير رائع وممتع وصادم أحيانا كثيرة.. فمن يصدق أن البطل والوصيف خرجوا من الدور الأول مع منتخبات أخرى متواضعة جدا بالإمكانات والقدرات الفنية والمادية، لتثبت كرة القدم مرة بعد مرة أنها كما الحياة « يوم لك ويوم عليك « وأن لا كبير في الكرة سوى الأداء والطموح والصراع من أجل البقاء. قالوا: إن هذا المونديال هو مونديال (العجايب).. وأقول العجيب هو سحر المستديرة الذي يزداد ويتمكن أكثر وأكثر مرة بعد مرة فلم تعد الكرة ترفا أو مجالا للهو وإضاعة الوقت بل حاجة حضارية ملحة يقاس من خلالها تقدم الشعوب. فالولايات المتحدة سيدة العالم التي تعالت وتكبرت على الكرة فترة من الزمن أدركت عزلتها مؤخراً والتحقت بركب المنتخبات المشاركة بعزيمة قوية ورغبة جادة لدخول هذا السباق الكروي وسط ذهول الكثيرين من سرعتها القياسية بالتطور والتقدم حتى أسماها وصفها كثير من النقاد والمراقبين (بأمريكا المتطورة). فمن هنا نتساءل ما هو مصير الكرة في العالم العربي حيث مازلنا نزمر ونطبل لتأهل منتخب واحد, فمتى تدرك الحكومات العربية أن الكرة هي الحضارة.. وهي بطاقة التعريف للدولة حيث وجدت نفسي مجبرة على البحث بالإنترنت عن دولة (هندوراس) التي تردد اسمها كثيرا ً بالأخبار والصحف لكونها دولة زاحمت منتخبات عريقة فبحثت وعرفت أنها: جمهورية في أمريكا الوسطى, استعمرتها إسبانيا ثم حصلت على استقلالها, يحدها من الشمال البحر الكاريبي, وكانت تقطنها عدد من القبائل أهمها وأقواها قبائل (المايا), عدد سكانها يقارب السبعة ملايين نسمة، أكثر الناس تعرفها من حربها مع السلفادور بسبب تصفيات كأس العالم. أخيرا ً.. عجيبة هي تلك الكرة ممتعة وأثيرة ومثيرة.. فشكرا من الأعماق للمونديال، للكرة، للمنتخبات، للمنافسة فقد أسعدتمونا كثيرا ً.. أما المؤسف في الأمر أنها لا يأتي إلا كل أربعة أعوام مرة فكل كأس عالم وأنتم بخير. نبض الضمير : (إن الناس تعود من الملاعب أكثر بياضا، ولو خيرت أن من خصوم الكرة أو عشاقها لاخترت أن أكون من مجانينها) عالم نفسي. ***