كائن معتد بنفسه، ويرى أنه دائماً على صواب، لا يقبل النصيحة ولا التعديل، له قدسية مطلقة ولا يرينا إلا ما يرى، جاف لا عاطفة لديه ولا رحمة، قد يوهمك بأنه منظم ودقيق وسيجعل حياتك أكثر سهولة، لا تبالي به فهو أكثر تعقيداً مما تظن وهذه الدقة العالية هي بالذات سبب تعقيده، فهو لا يقبل الحالات الشاذة ولا الإنسانية لا لشيء إلا إنها ضده، فأسوأ ما يمكن أن يحدث لك أن تكون حالتك مخالفة للنظام، والمخالفة قد لا تكون بالضرورة خاطئة، يخاف البشر الذين حوله أن يتعاملوا معه فيتجنبوه، ويضعوه كحائط يسد ما بينهم وما بين الآخرين فهو الذي يحدد من يحق له الدخول ومن سيقفل عليه باب غليظ من حديد، يُلقب هذا الكائن بالذكي أو هكذا يدّعون، لكنك قد تجده بعض الحالات غبياً عنيداً مكابراً حد الغضب على الرغم من وضوح الخطأ الذي ارتكبه وتكراره، لكن من نحن حتى نجرأ على مخالفته؟ لا أعلم على وجه الدقة متى سيطر هذا الكائن علينا وأصبحت له السلطة على قراراتنا ونحن من اخترعه، وجود هذا الكائن لدينا ليس فقط لزيادة الدقة وتجنب الخطأ البشري ورفع جودة مخرجات العمل، والذي قد أداها على أكمل وجه، بل لرفع الإحراج بين بعضنا البعض ولجعله حجة تخفف من وطأة وعبء الضغط الاجتماعي، فبدلاً من أن أعلم البشر أن يضعوا اعتباراً للصح والخطأ والحلال والحرام ويبتعدوا عن المحسوبيات والواسطة التي تضر بالإنتاجية والمخرجات وجودة العمل، اخترعت نظاماً يسلب من هؤلاء البشر قدرتهم ويمنعهم من اتخاذ القرار، فالاعتماد على هذا النظام سبب نوع من التقاعس في العمل والتواكل وقتل روح المبادرة، فأصبح النظام هو العمل وما هو خارج إطاره مرفوض، والحجة المعتاد بتعرف أكثر من النظام، ولذلك أصبح يتعلم الموظفون كيفية تطبيق النظام بدلاً من كيف يتم العمل بشكل صحيح، فالأغلبية تنفيذيون لما يريده النظام بلا زيادة ولا نقصان وبلا إبداع ولا مبادرة ولا تميز، فلا أحد ملم بالطريقة الفعلية لسير العمل سوى ذلك الكائن التقني ومن اخترعه. د. محمد عبدالكريم المطيري