للأسف لم ير البعض في رد سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة على الفتاة التي طلبت منه أن يتبناها سوى أن تلك الفتاة أحرجت نفسها، وأنها ليست سوى طالبة واسطة، وتجاهلوا الرسالة التي أرادها سموه أن تصل إلى الجميع، وهي أن الفرد يفنى مهما طال عمره، وأن العمل المؤسسي هو الذي يبقى، ولو تفكرنا قليلاً في ما قاله لوجدنا أن نجاح الدول نفسها يتوقف على هذا الأمر، وليس فقط الأشخاص. فنحن نقول دائماً إن سر تقدم الأمم الناجحة هو أنها دول مؤسسات لا أفراد، بمعنى أن الرئيس لو رحل فإن العمل بالدولة لا يتعطل، ولا تعمها الفوضى مثلما يحدث ببعض الدول القائمة على حكم الفرد، فالعمل المؤسسي هو عبارة عن التعاون بين الناس، أي العمل الجماعي، القائم على أسس ومبادئ وأركان، وقيم تنظيمية محددة. وعندما قال سموه إن أنظمة الدولة كلها تتبنى الشباب وتدعمهم وإن هذا أفضل من تبني الأشخاص لهم مهما كان منصب هؤلاء الأشخاص فإنه بذلك يحاول أن يقضي على ظاهرة اعتماد البعض على مسؤول أو قائد معين، لأن هذا يفضي عادةً إلى انتشار الواسطة والمحسوبية والمحاباة، ويكرس لهذه الأمراض الإدارية التي تعاني منها معظم الدول العربية، ويقضي على العدالة الاجتماعية، والتفوق والابتكار، لأن احتكار البعض للمناصب اعتماداً على شخص ما يحرم غيرهم من الصعود، ويفوت على الدولة الاستفادة من جهودهم وعطائهم. كما أن فكرة القيادة الفردية بحد ذاتها ربما كانت تصلح بالماضي، لكن مع التغيرات التي يشهدها العالم كله باتت فكرة القائد الأوحد عقيمة وعاجزة، لأنه إذا رحل عن المكان الذي يقوده فسيتعطل هذا المكان كله (سواءً كان شركة أو مؤسسة أو وزارة) عن الحركة والإنتاج. وقد يأتي قائد آخر يوجه المكان والأشخاص فيه إلى وجهة أخرى، وقد يعود بها إلى نقطة الصفر› بكثير من أنشطتها بدعوى التطوير والتجديد، وهذا هو السبب الأساس في تخبط المؤسسات والمنظمات وربما انهيارها، لأنها تربط نجاح خططها برموز قيادية، أو أشخاص، وليس بنظم عملية إدارية راسخة. أما الأمر الثاني الذي لفت انتباهي في حديث سمو وزير الطاقة، فهي تلك الثقة العالية بالنفس التي جعلته لا يرضخ لتأثير التصفيق في أن يوجه نصيحته، وهو في ذلك لم يحرج الفتاة كما قال البعض، وإنما اعتبرها بمثابة ابنته التي يوجهها للأفضل، واعتبر رسالته بمثابة أمانة يجب عليه إيصالها للحضور، حتى يختفي الفكر الفردي تماماً من العمل الإداري، وترحل فكرة القائد الأوحد إلى غير رجعة.