الشاعر الدكتور نايف رشدان المطيري اسم بارز وإن كان قليل الظهور مؤخرًا لانشغاله بالعمل الأكاديمي، ولكنه قبل ذلك كان أيقونة فاعلة: تربويًا، ومحررًا ثقافياً في جريدة «الرياض»، وناقدًا في مسابقة «أمير الشعراء»، وحاضرًا في معظم الملتقيات والمؤتمرات المحلية والعربية، ومتفاعلاً مع العديد من الأحداث بقصائده التي كانت تنشر بين الحين والآخر، ثم قاده الطموح والتطلع إلى أسوار الجامعة مرة أخرى بعد انقطاع، فأعد رسالة في الماجستير في البلاغة والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكانت عن مراثي أبي تمّام، ثم يمم وجهه نحو جامعة الملك سعود فسجل أطروحته للدكتوراه عن روايات غازي القصيبي، ومنها حصل على الدكتوراه في الأدب والنقد متخصصًا في الأدب السعودي، بعدها انتقل من عمله في التعليم العام إلى التعليم الجامعي ملتحقًا بجامعة شقراء (كلية المجتمع بحريملاء)، ثم أصبحت الكلية حاليًا تابعة لجامعة الإمام. نايف رشدان مقل جدًا في الحوارات الصحفية، ومن هنا طرحنا عليه العديد من التساؤلات التي تحيط بمسيرته الثقافية وعن أسباب عدم طباعة شعره وبحوثه في كتب مطبوعة وجوانب أخرى، في الحوار الآتي: * أين كانت نشأتك، ماذا تعني لك هذه المدينة؟ * نشأتي كانت في الرياض، وهذه المدينة عظيمة فهي ركن الزاوية في حياة أكثر المتعلمين والمثقفين بوصفها المركز الرئيس الذي تفرد إليه العقول المتعلمة وبحكم وجود الجامعات ووجود الحراك الثقافي. * كيف أثرت طفولتك في شخصيتك؟ * طفولتي تعبر عن ذلك الكتف الصغيرة التي كانت تحمل أثقالًا كبيرة، فكنت أعد نفسي وحيدًا في وسطٍ يرمقني بعين الحسد في وقتٍ مبكر. كنت دخلت المدرسة في الخامسة من عمري خلاف الآخرين وكانت النتائج ولله الحمد مبهرة لكن ذلك انعكس على الشارع الذي من حولي؛ فعانيت كثيرًا نوعًا ما ولكن براءة الطفولة لم تكن تضع خانة لمن يوغر صدره على طفلٍ لا يفهم معنى الغيرة أو الحسد. * أبرز المواقف العالقة في الذاكرة من المراحل الدراسية؟ * في المرحلة الابتدائية لم يكن لي ذكر إطلاقًا إلا في الإذاعات المدرسية، وفي المرحلة المتوسطة كنت أشارك في مسابقات الرسم والخط وكانت هناك جوائز على مستوى رعاية الشباب، وفي المرحلة الثانوية بدأت تظهر ملامح الثقافة في المسرح في الكتابة الصحافية بكتابة القصائد سواءً الشعبية أو الفصيحة وإن كان هناك شيء يزاحم هذه المواهب فهو أنني كنت لاعبًا في نادي الشباب في تلك المرحلة. * منذ متى بدأت تكتب الشعر؟ ومتى بدأت تجيد كتابة الشعر؟ * كتابة الشعر الحقيقية بدأت في ثاني ثانوي ثم ثالث ثانوي ثم أصبحت بشكل أكثر ظهورًا عندما شاركت في مهرجان الشعر الخليجي، ثم بعد ذلك عبر الصحف وعبر برنامج أوراق شاعر بإذاعة الرياض والأمسيات الشعرية التي عقدت سواءً صباحية في الكلية أو أمسيات شعرية في الأندية الأدبية والمراكز الثقافية. * كيف تصف تجربتك مع "أمير الشعراء"؟ * تجربة "أمير الشعراء" مهمة جدًا، فكانت منحنى خطيراً في مشواري الثقافي العربي؛ لأن تلك الفترة كانت تشهد الصحف السعودية حضوري فقط على المستوى المحلي، ولكن أمير الشعراء نقلني نقلة إلى المشهد العربي عمومًا وأصبحت على اتصالٍ بالحركة الشعرية العربية على اعتبار أن ذلك في مشترك عريض، بينما كانت المعرفة حقيقةً موجودة عندما كنا في عالم الصحافة من خلال الارتباط بأسماء كانت تفرد إلى الجنادرية من أسماء شعرية هائلة مثل: عبدالرزاق عبدالواحد، وفاروق جويدة، ويعقوب الرشيد، وخالد سعود الزيد، وسلطان العويس، والفيتوري وغيرهم، سعدت بمقابلتهم إضافةً إلى من واجهتهم في بعض المهرجانات الخارجية، لكن يعد اتصالي بمشهد الشعر العربي على مشترك واسع عبر أمير الشعراء الذي تعرفت من خلاله على أسماء شابة وأسماء كبيرة في العمر والمتانة الشعرية. أيضًا كان نقلة نوعية في أن يكون شاعرٌ بين نقاد ثم يلبس عباءة النقد، وكان من المهم أن يكون هناك من هو أكثر مني إدراجًا شعريًا لكن استفدت ولعلي أكون أفدت ولو بجزء قليل. * أنفقت سنوات طويلة في التحرير الثقافي في جريدة "الرياض"، فماذا أضافت لك التجربة؟ * طبعًا التحرير الثقافي في جريدة "الرياض" كان مرحلة مهمة في تاريخي الثقافي؛ فكنت في جريدة الجزيرة لمدة سنة ونصف في المرحلة الثانوية وجزء من الجامعة، ثم قدر لي أن أكون في جريدة "الرياض" بترحيبٍ من الأستاذ سعد الحميدين الذي عرّف بي أمام الأستاذ تركي السديري - رحمه الله -، وانطلقت من جريدة "الرياض"، وكان الذي استقبلني في القسم الأستاذ محمد العصار - رحمه الله - شاعر يمني، ثم كلفت بصفحة "عطاءات واعدة" واستمررت إلى أن أصبحت مسؤولًا عن القسم الأدبي في الصفحات اليومية. وبعد ذلك غادرت الصحافة عبر برنامج أمير الشعراء الذي لم يكن يسمح لي بأن أكون ملتصقًا بعملي؛ على اعتبار السفر فقد كنت اخترت البرنامج والخروج من الصحافة، وليس عيبًا. أحب أنا التجريب أحب أن أخوض أكثر من ميدان، وأتلمس المواضع التي تكون تجربتي فيها أنضح وأنضج. * لك منجزات بحثية ونقدية (الماجستير والدكتوراه)، ومقالات، وقصائد متناثرة لم يجمع شتاتها، هل ثمة أسباب تدفعك إلى الاحتفاظ بها وعدم طباعتها وتخليدها في كتب؟ * المنجزات البحثية هي منجزات لكل دارس ماجستير ودكتوراه، فلا بد أن ينجز عملًا بحثيًا حتى ينال الشهادة. في الماجستير: حصلت على الدرجة من خلال بحث عنوانه "المراثي الشعرية عند أبي تمام: دراسة بلاغية نقدية". وكان موضوعًا مهمًا عرفني على كتابات الأدباء آنذاك والبلاغيين والنقاد قديمًا، وما يحدث بينهم من خلافات واختلافات وتباين في وجهات النظر، وأيضًا ما يدور حول الشعر العباسي عمومًا من حديث التجديد والكلاسيكية، وحقيقة أفدت من البحث الكثير حتى إنني دون أن أشعر كتبت تسعمائة صفحة وكان مطلوبًا ألا أتجاوز ثلاثمائة ورقة، وكان ذلك على حساب البحث الذي أزعج بعض المناقشين؛ فقالوا: إنك أتعبتنا بهذه الأوراق وما علموا أنني كنت مستمتعًا وأنا أتجول في حديقة الشعر العباسي. أما الدكتوراه: فكانت عن الخطاب السردي تحليل الخطاب في روايات غازي القصيبي، واخترت عشر روايات من رواياته وتحدثت عنها وكانت رحلةً ماتعة. اخترت أن أوازن بحكم أنني عملت في الصفحة الثقافية فأشرف على الكتابات السردية والكتابات الشعرية، فكان كل ذلك يصب في معين العمل الثقافي وخدمني ذلك ولله الحمد في أن أعمل في اتجاهين: تجاه الشعر وتجاه السرد. لم أطبع العملين لسببين السبب الأول: أن كثرة الصفحات في البحثين دفعتني إلى التريّث فتسعمائة صفحة في مراثي أبي تمام وسبعمائة وستين ورقة في الخطاب الروائي عند غازي القصيبي تحتاج إلى إعادة نظر كثير، إما في التكثيف أو الحذف أو الإضافة وهكذا. والثاني: أن ذلك جاء بعد انشغالي بأبحاث والكتابة في بعض الأعمدة الصحافية إلى جانب انشغالي في أمور أخرى. الأمر الثالث هو الدواوين الشعرية: لدي ثلاثة دواوين شعرية مخطوطة موجودة لدي الآن: لونٌ خارج الطيف، وخطى تخف على لهب، وذاكرة الشموخ. وأنا أميل إلى التجديد في الشعر الأصيل؛ لأنه يبدو لي هو الأقرب إلى نفوس المتلقين. والكتب جاهزة ولله الحمد وإن شاء الله أنها ستكون، رغم ما أراه من أشياء محبطة في المشهد خصوصًا عالم القراءة، وعالم استسهال الطباعة، فالمكتبات الآن للأسف تعج ببعض من الهباء والخواء. * كيف تصف تجربتك مع رحلات جمعية الأدب العربي لزيارة مناطق المملكة؟ * جمعية الأدب العربي التابعة لجامعة أم القرى تضم لفيفًا من الأسماء المميزة على المستوى العلمي ممن يحملون ثلاث هويات، الهوية الأولى: إنتاج الأدب، والهوية الثانية: الاهتمام الإداري بالأدب، والهوية الثالثة: أساتذة المواد الأدبية الذين يشاركون بشكلٍ رسمي تدريس الطلاب الأدب العربي. وقد اجتمعنا تحت هذه المظلة وكان روادها وقائدوها من الأساتذة الأكفاء وتنقلنا في أكثر من مدينة محلية وكان لذلك الحضور أثر كبير؛ فأنا أعتقد أن مثل هذا المشروع جمعية الأدب العربي بحاجة إلى الرعاة وأبناء الوطن الذين يدعمون الحراك الثقافي ويدعمون هذا العمل الذي بلا شك سيعود نفعه على خدمة ثقافة الوطن. * أفضل أساليب الشعر التي تحبها؟ * ما المقصود بأساليب الشعر؟ هل هي التوجهات أو الاتجاه أو الجانب الموضوعي أو الجانب الفني؟ فإن كان الجانب الفني فأنا أميل إلى اللغة؛ فجمال اللغة يصنع تميزًا لأي نص، إضافة إلى فرادة المعنى ومطابقة المعنى لواقعٍ ملموس، والأهم أن تكون الحكمة وقودًا لهذه اللغة الشاعرية، وأنا أميل دائمًا لإضاءة الجملة لذلك لا ضير أن أقرأ شعرًا عربيًا عموديًا أو شعرًا تفعيليًا أو حتى قصيدة النثر إن كانت اللغة لغة مؤثرة وثرية وكانت تلك الجملة جملة ذكية تستطيع أن تأخذ بالألباب. * أحب قصيدة من إنتاجك؟ * كنت أسمع قديمًا من يقول: إن القصيدة شبيهةٌ بابنة الشاعر فلا يستطيع أن يفرق الشاعر بين بناته، ولم أكد أجتلي مثل هذا المعنى حتى أدركت مع طول العمر والتجربة أنه فعلًا القصيدة هي محببة إلى قائلها حتى وإن كانت تلك القصائد متفاوتة المستوى، ولكن الذي أجتلي له دومًا هو أن القصيدة التي تؤثر في الناس وتخدم هي في الحقيقة ذات قيمة لدي وإثارة ومعنى، وبالنسبة لي أهم شيء أن يكون صداها هو الأكثر وكل القصائد لدي متساوية.