لا يزال غازي القصيبي نابضاً، حضور رجل الدولة والفكر والأدب لا يزال طاغيا رغم مرور ست سنوات على رحيله عن المشهد السعودي، إلا أن أفكار وكتابات الوزير والدبلوماسي السعودي الراحل تملأ صفحات شبكات التواصل الاجتماعية، وكأن غازي القصيبي رحل البارحة، الأمر الذي يدفعنا لنبحث عن سر هذا الحضور البهي والمتجدد، والذي لن نجد له إجابة إلا من خلال الالتفات إلى تلك الحكمة التي تحلى بها الوزير الراحل والذي أثبتت الأيام أنه كان يقرأ المستقبل وكأنه يراه، مشكلا من خلال أدبه وفكره واحدا من السمات الفكرية الأدبية الكبرى التي تعتز بها الثقافة العربية والسعودية والخليجية. ذكراه خالدة لم يمحها فراقه تجددها روائعه ونصوصه البديعة ومواقفه الوطنية النشأة الهفوفية حياة أي قامة فكرية أو أدبية لا تعرف السكون في مكان، غازي القصيبي لم يكن استثناء وهو الذي ولد في الهفوف بالأحساء (1359ه - 1940م) حيث قضى في تلك الواحة سنوات دراسته الأولى، ثم انتقل إلى المنامةبالبحرين ليدرس فيها التعليم الثانوي والتي فتحت أفق وعيه لما هو أبعد، ليتجه في وثبة أطول إلى القاهرة لينال هناك إجازة من كلية الحقوق من جامعة القاهرة، وهي المدينة التي شكلت بواكير وعيه الأدبي والفكري النقدي، فرغم كل التيارات السياسية والآيديولوجية الموجودة آنذاك، إلا أن غازي القصيبي اختار أن يكون متحررا منها، متفرغا للمسيرة العلمية، منتقلا للولايات المتحدة لدراسة الماجستير ليحصل على هذه الدرجة العلمية في مجال العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا، مستمرا في تحصيله العلمي ولكن هذه المرة في جامعة لندن العريقة، حيث حصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية أيضا، خلال تواجده في أميركا فاز غازي القصيبي «بأغلبية ساحقة» في انتخابات جمعية الطلاب العرب في الجامعة، وهو ما أدى لأن تتغير النظرة لدور الجمعية ويكون للقصيبي الموقع الذي سجل فيه أول خطوات العمل الإدارية المبكرة، تكوين الأديب يسرد غازي القصيبي حكايته المبكرة مع الأدب والقراءة والمسرح في كتاب «سيرة شعرية»، قائلا: «أذكر تماما أنني قبل أن أبلغ العاشرة، قرأت كتب كامل الكيلاني كاملة وتجاوزتها إلى مجموعة روايات يوسف السباعي وإلى معظم قصص تاريخ الإسلام والتي كانت تصدرها دار الهلال إلى جانب كل ما وقع تحت يدي من روايات أرسين لوبين وروكامبل، كما أن تجربتي مع السرح المدرسي بدأت في سن التاسعة واستمرت حتى مراحل الثانوية وخلفت لي هواية باقية هي الشغف بالمسرح وقد كانت اللغة العربية بالنسبة لي مادتي المفضلة»، أما علاقته بالكتاب فيقول: « لقد كنت منذ التاسعة وحتى اليوم قارئا مدمنا، ولا أعتقد أن أسبوعا واحدا قد مر بي منذ أن أجدت القراءة ولم انتهِ فيه من قراءة كتابين أو ثلاثة.، ولذلك غطت قراءاتي حقولا واسعة من المعرفة». أنموذج للقيادي الذي ينبغي أن نضع أسلوبه في العمل الإداري قاعدة تحتذى القصيبي.. أديباً لا يختلف أحد على أن القصيبي يتعبر واحدا من علامات الأدب السعودي والعربي المعاصر، الكم الهائل من النتاجات الشعرية والروائية لا تزال محل دراسة الباحثين في الجامعات السعودية والعربية، مسجلا اهتماما شعبيا بأدبه، خصوصا وأن غازي القصيبي، كتب الأدب القريب من الناس، بارعا في تقديم الرواية في شكلها الكلاسيكي البديع، كما في نص «شقة الحرية» و»دنسكو» و»أبو شلاخ البرمائي» و»العصفورية» وغيرها من الأعمال التي أثارت نقاد الرواية عليها بين مؤيد متحمس ومعارضٍ اقصائي لدخول القصيبي فن الرواية بعد سنوات طويلة من الكتابة الشعرية، غير أن القصيبي الأديب لا يمكن اختزاله بين الشعر والرواية وهو الذي وضع عددا من المؤلفات التي لا تزال تتداول ويعاد نشرها في عدة طبعات جديدة ومنها كتابه الشهير: «حياة في الإدارة» والذي سرد فيه بأسلوبه المحبب، سيرته الوظيفية وتجربته الإدارية حتى تعيينه سفيراً في لندن، القصيبي.. والصحافة بقي الراحل د. غازي القصيبي محل جدل وصخب الصحافة المقروءة في أكثر من موقع، أولها الكاتب الصحافي الذي نشر في عدد من الصحف السعودية مقالات أسبوعية، تنوعت في القضايا والتناول مثل كتاب: «استراحة الخميس» والذي لاتزال مقالته عن «الموبايل» تستعاد بين أوساط الجيل الجديد على شبكات التواصل حيث يقول المرحوم القصيبي: « الذين يصرون على معرفة رقم موبايلي، لا يوجد عندي موبايل وأمقت الموبايل من الأعماق ولو لا معزة البنت والبنين وآخرين لأضفت: وأمقت كل من يقتني موبايل، يمثل الموبايل في رأيي المتواضع، بداية ثورة اجتماعية مرذولة.. أي والله مرذولة!»، مثل هذه الأقوال دفعت جيل القراءة الجديد لأن يتخذ من القصيبي الحكم والمفكر، ملهما، وهو يستعيد قراءة كتبه ويطلع على تصوراته التي رغم مرور السنوات تثبت صدقيتها وآنيتها لأن القصيبي لم يكن إلا رجل حنكة وبعد نظر». الكلاسيكي الأخير.. ربما يكون غازي القصيبي أحد آعزر الشعراء الكلاسيكيين السعوديين والعرب، والذي تدفق معه الشعر تدفقا عجيبا مفتتحا بواكيره الشعرية بمجموعة (جزائر اللؤلؤ) في العام 1960 لينشر خلال عقد الستينيات مجموعتين كذلك وهن (قطرات من ظمأ) و(في ذكرى نبيل)، ومن كتبه الشعرية اللاحقة كديوان (معركة بلا راية) الذي أثار لغطا كبيرا وقت صدوره، إلا أنه أصدر لا حقا، دواوين ك (أبيات غزل) و(أنت الرياض) وقد جمع القصائد السابقة في كتاب (قصائد مختارة)، صدرت عن دار الفيصل الثقافية 1980م/1400ه، وكانت آخر منشوراته الشعرية ( للشهداء) و(حديقة الغروب) و(البراعم) والذي صدر عام 2008، ولأن تجربة القصيبي الشعرية المتطورة خلال أربعين سنة لا يمكن حصرها في جانب، يكون الحكم النهائي على نوع وكنه هذا الشعر صعبا، الأمر الذي دفع الباحثين لدراسة ونقد وتحليل هذا الشعر، في أكثر من اتجاه، القصيبي وصحيفة «الرياض» منذ السبعينيات توطدت علاقة غازي القصيبي بالصحافة ليكتب مقالا نصف شهري في صحيفة الرياض، وهي الفترة التي شهدت بروز نجم القصيبي في الصحافة السعودية والإعلام التلفزيوني، فهو الأديب المفوهة والكاتب الذي لا تخونه الكلمة ولا التعبير الدقيق مستمرا في الكتابة في الصحافة السعودية إلى مرضه الذي سبق رحيله بسنين قليلة، وقد كانت صحيفة «الرياض» نشرت ضمن سلسلة كتبها كتابا بعنوان: (شعر غازي القصيبي: دراسة فنية) للناقد د. محمد الصفراني، لتستمر هذه العلاقة إلى بعد رحيل د. غازي القصيبي، إذ لم يصل لجريدة «الرياض» في تاريخها كمية رثاء لشخص كالتي عن أديب وفكر سعودي كالذي وصل من رثاء في المرحوم غازي القصيبي. مناصب وأوسمه * مُنح وسام الملك المؤسس وعدداً من الأوسمة الرفيعة من دول عربية وعالمية * مُنح وسام الكويت ذو الوشاح من الطبقة الممتازة 1992م * صاحب فكرة تأسيس جمعية الأطفال المعوقين بالمملكة العربية السعودية * أستاذ مساعد في كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود في الرياض 1965 / 1385ه * عميد كلية التجارة بجامعة الملك سعود 1971 / 1391ه * مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية 1973 / 1393 ه * وزير الصناعة والكهرباء 1976 / 1396 ه * وزير الصحة 1982 / 1402ه * سفير السعودية لدى البحرين 1984 / 1404 ه * سفير السعودية لدى بريطانيا 1992 / 1412ه * وزير المياه والكهرباء 2003 / 1423ه o وزير العمل 2005 / 1425 ه الملك فهد في زيارة للمنطقة الشرقية مع غازي القصيبي غازي القصيبي مع الأمير سطام رحمهما الله الزميل تركي عبدالله السديري مع د.غازي القصيبي د.القصيبي أثناء زيارته لجريدة «الرياض» القصيبي يرفع الستار عن حجر الأساس لمشروع كهرباء الجوف وهنا مع وزير التخطيط الفرنسي