انتبه! كل كلمة أو حركة أو ابتسامة محسوبة عليك فأنت الآن تحت المجهر، تكلم بشكل مقتضب، احتفظ بنواياك وأهدافك وتطلعاتك لنفسك ولا تبوح بكل ذلك لأحد، تأخذ كل هذه التحذيرات بالحسبان، وقبل دخولك لمكان العمل في يومك الأول، تدور مختلف السيناريوهات في ذهنك وتقيس ردود الفعل لكل سيناريو، وترسم خريطة متشعبة من التوقعات، تدخل على مهلك بعد أن تتأمل مظهرك مرتين أو ثلاث، تسلم على الكل وتتحدث بجمل قصيرة ولا تطيل الحديث، تحاول بشدة أن تفهم النظام القائم وتوزيع السلطة الرسمية وغير الرسمية، والمؤثرين في القرارات بسلطة أو بغير سلطة، تحاول أن ترصد الفئات المحبوبة والفئات المنبوذة وما بين هذا وذاك، لتبدأ حينها برسم المسافات وتوسع الفجوة بينك وبين الآخرين، وتضع الدائرة التي مركزها أنت، وترسم بعدها دوائر أخرى وتقربهم بالتدريج، لكنك تعلم الآن أن كثيراً من المعلومات والأفكار والخطط يجب أن تبقى في تلك الدائرة التي لا يسكنها إلا أنت، تحاول باستماتة أن تتشكل الصورة عنك كما تريد أنت لا كما يريدون، فتقترب بحذر صياد أو فريسة تحاول أن تكسب لقمة عيشها وتهرب قبل أن تُلتهم، مع رئيسك، كن أقرب له من حد التزلف وأبعد من حد اللامبالاة، أي بين هذا وذاك، ومع زملائك، اجعل الغموض ديدنك والحذر نهجك وقدم سوء الظن على الدوام، فلا وجود للنوايا الصافية والصداقة والمعاني الأخرى الحالمة، ففي هذه البيئة إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، قد يبدو في كلامي بعض المبالغة، ولكن كلما ازدادت حساسية الوظيفة التي قُبلت بها، كلما زادت التحذيرات وتخلل البيئة نوع من الحذر المتبادل والكثير من الصمت والترقب، تدهور بيئة العمل لهذا الحد سببها مديرو الموارد البشرية والرؤساء المباشرون، لا بد لهؤلاء المسؤولين أن يدركوا حساسية هذا الأمر ويسارعوا في خلق بيئة عمل مريحة، لا بد من الترحيب بالموظف الجديد والتسريع في عملية اندماجه مع المنظومة وباقي الموظفين، فالموظف الجديد يحتاج لمدة أسبوع على الأقل يتعرف فيها على آلية العمل والمهام والمسؤوليات التي تقع على عاتقه قبل أن يُلقى به في اليم لتتلقفه الأمواج وتذهب به كيفما شاءت، كما تحتاج المنظمة لتعيين موظف آخر أكثر خبرة يكون موجوداً بالقرب من الموظف الجديد لشرح كل هذه الأعمال له، وليبين له في الوقت ذاته طبيعة العمل خارج الإطار الرسمي وما هو مقبول وما هو غير مقبول في عرف المنظمة، فبدون ذلك سنخلق بيئة عمل كل شخص فيها منعزل وكل شخص فيها حذر وقلق، بيئة ينعدم فيها التواصل وتقل فيها الإنتاجية وتزداد فيها الحزبية والشللية، ليكثر فيها التخبط وتتبعثر فيها الجهود.