كان لتأسيس جامعة الدول العربية حلمٌ راود كلّ عربي للحفاظ على هوية الأمة العربية، وحماية سيادة دولها، ودفع مسيرتها للأمام للحاق بركب الحضارة الإنسانية؛ لكن واقع الحال أدنى بكثير من الحلم، حيث غرقت الجامعة في الركود وعدم الفاعلية، وبقيت قاصرة عن تحقيق الطموحات والآمال. وعلى الرغم من ذلك، ما زال المواطن العربي يُمنّي نفسه أن تقوم الجامعة بتجديد نفسها بالتزامن مع كل متغيّرات عالمية أو تحوّلات مجتمعية تشهدها المنطقة أو العالم ككل، إلاّ أن تلك الأمنيات بقيت دوماً أمنيات، لا تجد طريقاً لتتحوّل إلى حقيقة، وهذه النتيجة المخيبة غير معني بها طاقم الجامعة الإداري، بل مرتبطة بالإرادة السياسية للدول الأعضاء، وإن كانت الإرادة موجودة بشكل فردي عند بعضها، إلاّ أنّها لا تتحقق على هيئة إرادة جماعية، إذ بان ذلك مع تجدد الأزمات العربية، ونشوء الصراعات العالمية، دونما مشاركة الجامعة في صناعة أي قرار، خصوصاً فيما يتعلّق بمستقبل منطقة الشرق الأوسط. لا شك في أن الحلّ الأمثل لإصلاح جامعة الدول العربية، ينطلق من رغبة سياسية بإسناد الحلول إلى أوساط المخازن الفكرية المتمثلة بالنخب السياسية والفكرية، للوصول إلى رؤية عربية توافقية، حتى تتحوّل الجامعة العربية إلى مركز فكري قادر على رسم السياسات والتصوّرات المستقبلية في مختلف المجالات، وذلك للنهوض بالدول العربية، وتبني وعيها، وليس لمجرد مكاتب إدارية جامدة لا صوت لها ولا رؤية. الوقت لم يمضِ بعد، وإذا كان الإصلاح واجب التنفيذ قبل عقود، فإن البدء به ممكن في أي وقت، متى ما كانت هناك إرادة سياسية، والضرورات التي تحدث في العالم الآن تتطلب حلولاً جذرية، وتشبه إلى حدّ بعيد تلك التي تأسست بسببها الجامعة العربية، لذلك، فإن الإصلاح والتغيير الآن خيارٌ لا بديل له إلاّ تلاشي الجامعة. وفي ظل هذه الظروف المتأزمة، ثمّة حقيقة تبقى ثابتة على مرور الأيام وتعاقب الأعوام، وهي أن جامعة الدول العربية ستظل رمزاً لوحدة العرب، رغم أزماتها وإخفاقاتها.. ولمواصلة دورها الفاعل يستدعي التفكير جدياً في إصلاح هيكلها، ومنهاج عملها، وتطوير منظومة إدارتها، وتحويلها لمخازن فكرية ترصد الظواهر والمشكلات، وتُسهم في رسم السياسات، وتضع الخطط التنموية، والحلول التطويرية، ما يجعل من الدول العربية كياناً كبيراً قوياً مهاب الجانب.