لولا مقال مصطفى الفقي لما علمت، مثل غيري، بلقاء مغلق دعا اليه الأمين العام للجامعة العربية. وهذا ليس بالأمر الغريب. لقد عودتنا الدول العربية ومنظماتها الاقليمية على مبدأ "سري للغاية" حين تتدارس هموم الوطن العربي. السرية ليست لتجنب الاعلام بل هي تقليد بائس يستثني قطاعات عربية واسعة من المشاركة في صنع قرارات تهمها بالدرجة الاولى. عقد مثل هذا المؤتمر، بعيداً من عيون الاعلام هو عين الخطأ. المواطن العربي لم يبق له إلا الإعلام كنافذة تنفس عن آلامه، وتترجم سخطه على وضع يسير من سيئ الى أسوأ. ليس غريباً ان نجد في الحضور اسماء لمعت بتقلدها لمناصب حكومية، او بقربها من الاجهزة الرسمية. فالممارسة العربية اثبتت عزوف هؤلاء عن المطالبة باصلاحات داخلية او فشلهم في اقرارها. وسلوك امانة الجامعة يتطابق مع التفكير الحكومي الذي لا يزال يرى في وسائل الاعلام خطراً على الأمن القومي. الجامعة العربية تخطئ الهدف حين تركز اولوياتها على إدخال اصلاحات على ادائها. اعضاؤها هم اولى بالإصلاحات باعتبار ان الجامعة ما هي إلا مرآة للدول العربية. وحتى ان صدقت نية اجتماع القاهرة، فإن الاصلاح الحقيقي لا يأتي حصراً من افراد او نخب، ولو كانوا في قمة التنوير. ان اصلاح الانظمة الحاكمة مصدره الادارة الشعبية. غريب امرنا! نفشل في الادارة السياسية والاقتصادية لبلداننا، ثم نصر على الفشل باحتكار عملية الاصلاح ووقفها على من تسبب بشتى الطرق في استفحال حال الفساد! متى نعترف جماعياً بالخطأ؟ متى نصارح الشعوب بالخطأ، ونقبل بتجديد النخب الحاكمة؟ متى نبدأ بتجديد الفكر بل بالمطالبة برحيل من يفكر لنا، ويتحدث باسمنا من دون تفويض؟ لا اعتقد الى الساعة ان احداً من اعضاء الجامعة العربية يملك الارادة والقدرة على إرساء الجامعة العربية المنشودة. الدول العربية غيورة على سيادتها، وليست مستعدة لنقل جزء منها لمصلحة هيئة جماعية. والحديث عن سقف ادنى للعضوية في الجامعة يتجاهل حقيقة مفادها انه مهما تدنى سقف متطلبات دولة القانون واحترام حقوق الانسان، فإن جل الدول العربية بعيدة كل البعد من المعايير المطلوبة. ولا مجال للمقارنة بين مسيرة الاتحاد الاوروبي ومسيرة الجامعة العربية. لكن فرضية الدولة المحرك اثبتت نجاحها في عملية بناء سوق اوروبية مشتركة من ستة اعضاء الى اتحاد اوروبي بخمس وعشرين دولة مع حلول السنة المقبلة. فرنسا وألمانيا لعبتا دور المحرك القوي في قطار اوروبي تتباين فيه المؤشرات الاقتصادية والسياسية لكل دولة. وفي حال العرب فإن المملكة السعودية ومصر والجزائر يمكن ان تقوم يدور المحرك، لأن ظروف الدول العربية غير متشابة. الحديث عن مجلس وزراء أعلى او برلمان عربي موحد هو التفاف على الحقيقة، او ربما تجارة في الرداءة. كيف يمكن ان ندعو الى برلمان عربي، بنواب معيَّنين من حكوماتهم او منتخبين بالتزوير؟ أهذا هو اصلاح الجامعة المنشود؟ كيف يمكن الحديث عن محكمة عدل عربية، والعدالة ضالة المواطن العربي؟ نعم، الضغط الخارجي يمكن ان يصنع ايجابيات. الاحزاب السياسية فشلت في التغيير. الحكومات تفننت في ابداع انتخابات صورية، اما الشعوب فقد انهكتها معارك الاستقلال، والتنمية الفاشلة، ومعركة المواطنة المفقودة. ألم ينه الضغط الخارجي نظاماً استبدادياً في العراق؟ الجامعة العربية التي اطمح اليها هي جامعة تحترم المواطن العربي وتدافع عن حقوقه. هي جامعة لا تقبل في صفوفها اشخاص لا يمثلون إلا انفسهم ومصالحهم. الجامعة التي احلم بها هي جامعة لدول عربية تسودها مؤسسات دائمة، وليست جامعة لدول يحكمها افراد على مدى الحياة. وما لم تبدأ الدول العربية باصلاح ادائها السياسي والاداري اولاً، فإن اي حديث حول اصلاح للجامعة هو ثرثرة من دون فائدة، بل معركة خاسرة سلفاً. جنيف - حسني عبيدي مدير مركز الدراسات والبحوث حول الوطن العربي ودول المتوسط