ان التحديات التي يواجهها العالم العربي والتي بدت ماثلة في عام 2002 تحديات بالغة الخطورة في ظل ظروف دولية غير مواتية، مما جعل هذا العام سلبياً للعرب وانني لا اجد من الدلائل ما يشير إلى ان عام 2003 سيكون افضل بالنسبة للعرب. هكذا قال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في الثلاثين من ديسمبر الماضي .. ثم تابع : انني اتابع باهتمام كل ما يكتب عن اداء الجامعة العربية وان النقد يهدف إلى المساهمة في جهود الاصلاح وتطوير العمل العربي المشترك، ولا ينبغي لاحد ان يتوقع جهود التطوير يمكن لها ان تتعامل مع تراكمات ضعف الاداء على مر عدة عقود، وان الحديث عن التطوير والاصلاح الجاد لا يمكن ان يكون بعصا سحرية تعالج علل الاداء الوظيفي والتراجع السياسي والاقتصادي في فترة قصيرة خاصة وان كل هذا يحدث في ظل ظروف دولية هي في ذاتها غير مواتية. وقال: ان تطوير اداء الجامعة العربية لا يتطلب فقط تطوير اداء العاملين بها وهياكلها وتحديث امكانياتها وقدراتها لكن يتطلب ايضاً ان تعقد الدول العربية العزم على وجود المصلحة المشتركة والدفع بها. وقال: ان انعقاد عمل الجامعة لا يمكن ان يكون مدعاة للحديث عن تفكيك اطر العمل العربي المشترك في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم الكبير منها والصغير، الضعيف منها والقوي نحو التكتل والدخول في تجمعات اقليمية تعضد من قوتها وتزيد من فاعليتها على الساحة الدولية. @@@ تصريحات عمرو موسى جاءت في وقت اشتدت فيه الحملة ضد الجامعة العربية وعجزها عن مواجهة الاخطار التي تحدق بالامة العربية، في الوقت الذي تتصاعد فيه نبرة الحرب الامريكية المتوقعة ضد العراق وتتزايد الاعمال العسكرية ضد الشعب الفلسطيني، وكان من الطبيعي ان تزداد الضغوط على الارادة العربية فيما يمكن وصفه بانه اخطر اختبار للوحدة العربية والتضامن العربي الذي اصابه الوهن والضعف وبات معرضاً للخطر امام الرياح العاتية التي بدأت تهب على المنطقة بغية تغيير معالمها والنيل من وحدتها والسيطرة على مقدراتها. ومع تصاعد الخطر يتساءل الشارع العربي: اين الوحدة العربية، واين التضامن العربي واين الجامعة العربية؟! هل فقدت دورها في تحقيق التضامن والدفاع عن مقدرات الامة؟ وما الذي يمكن ان تقوم به الجامعة العربية للحفاظ على الارادة العربية قوية في وجه القوى المتغطرسة.. هل ما زالت الجامعة مؤهلة للقيام بدور ما في ظل الضغوط الداخلية والخارجية على الامة العربية.. وهل حالة الضعف التي اصابتها بفعل ظروف خارجية ام انها تجسيد لحالة العرب انفسهم؟ هذه التساؤلات حملناها إلى اهل الخبرة واصحاب الفكر والرأي في محاولة لصياغة رؤية واضحة لعمل الجامعة العربية كمؤسسة عربية ارتضى العرب منذ تأسيسها في عام 1945 ان تكون بيتهم الذي يضمهم ويدافع عن قضاياهم ويحقق آمالهم في وطن عربي قوي بأبنائه وثرواته. دول.. لا شعوب الدكتور عصمت عبد المجيد الامين العام السابق للجامعة يقول: ان الجامعة العربية ليست سوى مرآة للوضع العربي العام وهي جامعة دول وليست جامعة شعوب ولهذا فان الخلافات العربية تدمرها والوفاق العربي يحييها. وقد مرت بالجامعة العربية ازمات كثيرة منذ انشائها وحتى الآن كادت تعصف بكيانها ودورها الذي من اجله تأسست بل ان تأسيسها في حد ذاته قد اثار العديد من الشكوك حول الظروف التي احاطت بميلاد مثل هذه المنظمة والاب الحقيقي لها، فالاعتقاد الذي كان سائداً آنذاك ان فكرة الجامعة العربية لم تكن لتظهر لولا انها كانت تعكس رغبة بريطانيا، وهو ما عبر عنه صراحة وزير خارجيتها في ذلك الوقت انتوني ايدن وغيره من المسئولين البريطانيين حيث كانوا يدعون منذ بداية الاربعينات إلى اقامة تنظيم عربي واحد يشمل الدول العربية ككل كبديل عن الوحدة العربية التي كانت مطلب الجميع منذ مطلع القرن الماضي وانهيار الامبراطورية العثمانية وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهرت نيات بريطانيا الحقيقية وتحطمت الآمال العربية على صخرة الخيانة البريطانية وتم تقسيم الوطن العربي إلى كيانات هزيلة بينها حدود وهمية ظالمة وفق خطة سايكس بيكو حتى باتت تلك الخطوط مصدراً رئيسياً للعديد من المنازعات والخلافات العربية حتى اصبح الامر جد خطير ويحتاج إلى وقفة عربية فتم عقد المؤتمر العربي العام الذي صدق على ميثاق الجامعة في 22 من مارس 1940، وبعد مضي اكثر من 57 عاماً على انشاء الجامعة فانها ما زالت تواجه العديد من الانتقادات العنيفة بسبب عدم قدرتها على انهاء النزاعات العربية وافتقارها لآليات تنفيذ القرارات التي تتوصل اليها، ويرى البعض ان ما تم به قرارات الجامعة العربية من عدم فاعلية يرجع إلى العيوب التي تشوب بعض بنود الميثاق الذي يحكم اعمالها وقراراتها في حين يؤكد الواقع ان العلة الحقيقية هي في النفوس وليست في النصوص، ويؤكد ذلك بعض بنود الميثاق التي تنص على عدم التدخل في الشئون الداخلية واحترام نظام الحكم في كل دولة عضو بها. واحترام سيادة كل دولة، واحترام مبدأ التعاون الجماعي والمحافظة على استقلال الدول الاعضاء واحترام دستورها، والمساواة بين الدول الاعضاء وعدم التفريق بين دولة كبيرة واخرى اصغر منها، والعمل على حل الخلافات والمنازعات بالطرق السلمية ومنع اللجوء للقوة مهما كان الامر. وقد كانت هذه البنود وغيرها كفيلة بتحقيق الاهداف التي من اجلها تأسست الجامعة العربية الا ان المشكلة ليست كما قلت في النصوص بل في النفوس بالاضافة إلى الكم الهائل من الحروب والازمات التي ضربت المنطقة على مدار نصف القرن الماضي. المصداقية المفقودة احسان بكر - مدير تحرير الاهرام والمحلل السياسي يقول: من موقع النقد الذاتي والاعتراف وليس من موقع جلد الذات نقول انه مع تراكم المشكلات والاخفاقات في طريق وحدة العرب الذي هو هدف الجامعة العربية الاسمى وتغير الظروف السياسية العربية والدولية، فضلاً عن تغير النظرة للعمل العربي المشترك وتراجع دور الجامعة يفقدها جزءاً كبيراً من مصداقيتها وعجزها عن تطوير وسائل عملها بل لقد عانت من مظاهر الجمود والبيروقراطية والمحسوبية حتى لقد تحولت بعض اجهزة الجامعة إلى مجرد جراح يذهب اليه المحاسيب او من تريد دولة من الدول ابعاده مقابل تقاضيه مرتبات بالعملة الصعبة، نعم نعترف بكل هذه السلبيات والمعوقات التي شاركت فيها كل العواصم العربية، وكل هذا كان يحدث في الوقت الذي ظهرت فيه مشروعات اخرى لاطارات اخرى للتعاون في الشرق الاوسط هددت وجود الجامعة العربية مثل الشرق اوسطية، واليورومتوسطية وغابت الجامعة بشكل شبه تام عن ضبط التفاعلات السياسية العربية او الخارجية لدرجة ان الكثيرين تساءلوا بعد احتلال العراق لدولة الكويت، والذي كان بمثابة الضربة القاصمة للعمل العربي المشترك عن مدى جدوى وجود الجامعة العربية واستمرارها، وهل تبرر دلالتها الرمزية تكاليف تشغيل اجهزتها المختلفة؟ ضرورة التطوير الدكتور جاد طه استاذ التاريخ الحديث والمعاصر والعميد السابق بكلية آداب عين شمس يقول: الجامعة العربية استطاعت في حدود اختصاصاتها ان تحقق قدراً من الانجازات على صعيد العلاقات بين الدول العربية او فيما يتصل بعلاقات هذه الدول مع الدول والهيئات الاجنبية مثل تدخلها في الصراع بين سوريا ولبنان سنة 1949 والنزاع المصري السوداني في فبراير 1958 والنزاع العراقيالكويتي عام 1961 وتدخلها في الحرب الحدودية بين المغرب والجزائر في سبتمبر واكتوبر 1963 وفي ازمة الحدود بين اليمن الشمالي والجنوبي عام 1972، والنزاع الجزائري المغربي الموريتاني حول الصحراء الغربية وغيرها من المشكلات، هذا بالاضافة إلى ان الجامعة طورت دبلوماسيتها مؤتمرات القمة العربية، كما شجعت على التعاون العربي وذلك عبر مجموعة المنظومات المتخصصة التي تشكلت على مختلف المستويات داخل اطار الجامعة وخارجه، وفي اطار الجامعة تم انشاء عدة منظمات اتسع نشاطها ليشمل مشاكل العمل والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والشئون العلمية والثقافية ووسائل الاعلام والاتصال، ولقد تشكلت عدة منظمات مثل منظمة العمل العربية والصندوق العربي للاتحاد الاقتصادي والاجتماعي والمنظمة العربية للثقافة والعلوم، والاتحاد العربي للاتصالات، اما خارج الجامعة فقد نشط العمل النقابي بجهد لا يغفل من الجامعة وتنسيق مستمر بين اجهزتها،ومن هنا جاء قيام اتحادات للمحامين والاطباء والصحفيين العرب. كما ان الجامعة كانت بتمثيل العرب في مختلف المحافل والمنظمات الدولية مثل الاممالمتحدة ومنظماتها المتخصصة ومنظمة الوحدة الافريقية والتعاون مع الاخيرة في تكوين طائفة من المؤسسات المشتركة مثل المصرف العربي للتنمية في افريقيا، والصندوق العربي للقروض. ورغم تلك الانجازات التي حققتها الجامعة وغيرها، فان الصورة التي جاء عليها الميثاق وكذلك التغيرات والتطورات الموضوعية والهيكلية التي حدثت على المستويين الاقليمي والدولي كل ذلك جعل من الاهمية بمكان تطوير عمل الجامعة فالميثاق الذي وضع سنة 1945 لا يرقى إلى تلبية آمال الامة العربية وتحقيق طموحاتها في الوحدة الشاملة ومن ناحية اخرى فقد تغيرت الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي وضع في اطارها ميثاق الجامعة، وقد شمل التغيير فيما شمل الجامعة نفسها سواء في نطاق العضوية فيها الذي اتسع ليشمل 23 دولة او في اتساع مجالات نشاطها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وفي اطار ازدياد حالات التدخل الخارجي في المنطقة العربية ولا سيما في منطقة الخليج العربي والقرن الافريقي كل ذلك فضلاً عن ازدياد حدة الانقسام والتجزئة العربية اثناء واعقاب حرب الخليج الثانية (1990/1991) وما جسدته هذه الحرب من تفرد الولاياتالمتحدةالامريكية وقامت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بوضع القطب الاوحد المسيطر على مجريات الامور في الوقت الراهن للنظام الدولي. الزمن الصعب الخبير الاستراتيجي طلعت مسلم يؤكد: لقد توقفت مراراً وتكراراً امام سؤال ظل يعيد طرح نفسه بصفة دائمة، اين الجامعة العربية؟ وهذا التساؤل يظهر كلما تعرض العرب لموقف شعروا فيه باستهداف كيانهم دون ان تكون لهم القدرة على رد الفعل، ومنها الانفراد الامريكي بممارسة تهديداته للشعب العراقي وكذلك انفراد شارون بالشعب الفلسطيني وممارسة حالة من الاذلال لقيادته والعبث بالمقدسات الاسلامية في القدس امام استسلام عربي مهين وصمت دولي مفضوح، اضف إلى ذلك التدخلات الامريكية المباشرة وغير المباشر لمستقبل جنوب السودان وقيادته نحو التقسيم والتفتيت وحدته وتهيئة الساحة للوجود الامريكي والصهيوني في المنطقة لبسط نفوذهم تمهيداً للانطلاق منها في تهديد انظمة عربية وافريقية اخرى واحكام الهيمنة الامبريالية على مفاتيح استراتيجية العالم. ومن هنا فالسؤال عن الجامعة العربية يكاد لا ينقطع وان كان من نوع اسئلة الاستنكار، اذ لانه لا احد يتوقع ان تفعل الجامعة شيئاً لاننا نعيش (الزمن الصعب) حيث ضعف البنيان العربي وهزل دورهم وخارت قواهم.. ولم يبق من الجامعة سوى اطلال ذكريات التضامن التي رسمت اسمى صورها في حرب اكتوبر المجيد، والتي تجسدت فيها روح التعاون العربي ووحدة الصف والمصير المشترك، اما الآن فالشعوب ليست هي الشعوب، ومن هنا كانت الجامعة العربية انعكاساً حقيقياً لما طرأ على الشعوب العربية، حيث القهر والخنوع والتخاذل. اما الامين العام لجامعة الدول العربية فهو آخر من نلومه لانه في النهاية موظف ينفذ قرار 23 ارادة سياسية تسير بالتوازي دون ان تكون هناك نقطة تلاقي لهما، هذا الوضع المتردي لمسيرة العمل العربي داخل كيان الجامعة العربية، دفع هذا العام ولاول مرة في تاريخ الجامعة منذ 1945 إلى تقديم طلب للانسحاب منها ورغم سلبية الظاهرة الا ان البعض رأى بينها بعض النقاط الايجابية ومنها حث واستنهاض المجتمع العربي لليقظة من غفلته.. وضرورة اعادة النظر في كيان الجامعة الذي ظل لعقود طويلة من الزمن تسيره دول معينة لها الدور الرئيسي في قيادة المجموعة العربية داخل هيكل الجامعة العربية، وهذا دفعنا في النهاية لاتجاه الدول الاعضاء للبحث عن مصالحها الخاصة. ان كيان الجامعة العربية قد اصابته الشروخ واصبحت آيلة للسقوط ومن الافضل تنكيسه وهدمه.. وما الامين العام للجامعة الا مهندس استشاري لدى اصحاب البنيان يصمم لهم حسب امكانياتهم والعبرة ليست فقط اعادة النظر في ميثاق الجامعة الذي اصابته الشيخوخة وانما الحل في مدى التزام الدول الاعضاء بقرارات الجامعة ومدى الجدية في احترام هذه القرارات وقبول تنفيذها.. اما اذا ضربت هذه الدول عرض الحائط بما التزمت به مسبقاً فهنا التزام على الامين العام ان يقدم تقريره السنوي امام الرأي العام العربي يكشف فيه حسابات عام انقضى من عمل الجامعة وما نفذته وما تعذر تنفيذه ومن السبب في ذلك لكي يعري الحقائق ويكشف المتسببين وهنا يبرئ موقفه وينأى بنفسه عن هجوم وانتقادات لاذعة من هنا وهناك لا ذنب له فيها.. اما اذا رفضت الدول الاعضاء قبول مبدأ تعرية المواقف والتعرية امام الرأي العام العربي فيجب على الامين العام ان يتنحى عن المسئولية موضحاً اسباب ذلك امام الجميع. المصارحة قبل المصالحة السفير عصام الدين حواس سفير مصر السابق في قطر ومندوب مصر المناوب الاسبق لدى الاممالمتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا يقول: ان النظام العربي يجب ان يراجع باكمله ليكون انعكاساً حقيقياً وواقعاً لحال الامة العربية فهيكل الجامعة العربية قوي ويستطيع ان يؤدي واجبه بشرط ان تصفى النفوس العربية وتطبق دعوة الامين العام السابق الدكتور عصمت عبد المجيد المصارحة قبل المصالحة، لو اردنا للعمل العربي ان يؤتي ثماره فالعبرة ليست بالقبلات والعناق وانما العبرة بجدية القرارات. وليس من المعقول ان ملف العراق منذ 1990 يظل بعيداً عن التناول ونترك الآخرين يأتون للنبش فيه واستغلاله لاضفاء صفة الشرعية على وجودهم في المنطقة العربية واستنزاف مواردها وتهديد استقلالها. ورغم ان عمرو موسى منذ وطأت قدماه مبنى الجامعة كانت لديه آمال كبيرة ان يجدد شبابها ويخرج بها من طور الكهولة ليعيد لها حيويتها الا انه فوجئ بعراقيل الدول. انه لا مخرج للجامعة مما هي فيه الا بتفعيل قراراتها من خلال نظام تفعيل القرارات بتطبيق نظام الاغلبية بدلاً من الاستمرار بنظام الاجماع. فتش عن التدخل الخارجي عبد الستار عشرة مستشار الاتحاد العالم للغرف التجارية يقول: ان الجامعة العربية ربما تتعرض في الوقت الراهن لحملات تسعى للنيل من مكانتها الا انها تظل الاطار الشرعي للامة العربية الذي من خلاله يتم تأكيد تضامننا العربي وان كان غائباً عن الساحة لظروف صنعتها احداث عديدة منها التدخلات الخارجية التي تسعى لفرط عقد الدول العربية من الجامعة، وهو ما يتطلب اليقظة والوعي من الشعوب العربية للتصدي لمثل هذه المخططات الخارجية لانه بدون هذه الجامعة لن يكون هناك تضامن عربي في أي مجال من مجالات التعاون العربي سواء اقتصادية او سياسية.. الخ. انا وبعدي الطوفان الدكتور صفوت العالم الاستاذ بكلية الاعلام جامعة القاهرة يقول: هناك احداث سياسية ودولية لعبت دوراً بارزاً في افراغ الجامعة العربية من مضمونها لا سيما بعد احداث الخليج وتداعيات احداث سبتمبر على واشنطن ونيويورك. بحيث لم يبق من الجامعة سوى الانشقاقات العربية منذ اتجهت كل دولة لتحقيق مصالحها الخاصة بعيداً عن الاهتمام بقضايا الامة الرئيسية ومنها القضية الفلسطينية التي اصبحت شبه مغيبة على اجندة الاجتماعات والشارع العربي لدرجة جعلت شارون يعبث بالمقدسات الاسلامية بفلسطين ويمارس حصاره على الشعب والقيادة كل ذلك في ظل صمت اوروبي وتخاذل عربي مهين.. فأين ميثاق الجامعة واين اتفاقية الدفاع العربي المشترك..؟ النظريات الثلاث السفير الدكتور عبدالله الاشعل يقول: هناك ثلاث نظريات تحكم رؤيتي للموقف الحالي للجامعة العربية.. اولها ان الجامعة العربية انعكاس للواقع العربي أي القدر من الارادة والقوة لدى اعضائها.. فاذا كانت ارادتهم قوية فمما لا شك فيه ان ذلك ينعكس ايضاً على ارادة الجامعة وموقفها وان كانت هذه النظرية في واقع التطبيق قد يشوبها عيب لو اتخذت كذريعة لتخاذل الجامعة وستار لتبرير فشل هيكل الامانة العامة. اما النظرية الثانية فهي ترى ان الجامعة العربية قاطرة القيادة للعمل العربي المشترك ورغم ان هذه النظرية تحمل في طياتها كثيراً من الطموح الا انها تتجاهل حقيقة غاية في الاهمية عكسها واقع التطبيق مفادها ان الدول العربية ليس بامكانها السماح للامين العام للجامعة العربية الا بقدر محدود من الحركة، ولذلك وجد الامين العام الجديد نفسه يقع في منطقة وسط من الدبلوماسية الثنائية.. حيث تصور انه وزير لخارجية مصر في غير موقع الوزير وهذه النظرية تحمل للاسف الامين العام للجامعة العربية فوق ما يطيق. اما النظرية الثانية فهي تعتمد على ان الجامعة العربية في حدها الادنى اطار ومكان للعمل العربي المشترك.. ولا يمكن للجامعة ان تعمل في فراغ وهذه مهمة الامين العام الذي يجب ان يكون مقبولاً من الجميع، وان يتجاوز بشخصيته عند الجميع التقاطعات والحدود الوطنية للدول.. وربما يكون الذين ينظرون للسيد عمرو موسى الآن ان هناك فرقاً بين قبول القمة العربية له عند ترشيحه للامانة وهو في قمة نشاطه كوزير خارجية لمصر وجاء تكريماً له وتقديراً لدور مصر وبين عمرو موسى كأمين عام للجامعة العربية وحيداً في ساحة جديدة. وهذا لا يجعلني ابرئ الامين العام من خطايا الجامعة، وفي نفس الوقت ليس من الانصاف ان احمل الامين العام للجامعة مسئولية كل الاخطاء المتعلقة بتدهور كفاءة الجهاز الاداري للجامعة وترهله. الارادة السياسية اولاً أما رجب البنا رئيس تحرير مجلة (اكتوبر) فيقول: قبل ان نسأل اين الجامعة العربية علينا ان نتساءل اين العرب لان الجامعة مجرد مكان او مؤسسة ليس لها مواقف خاصة بها وليس لها ارادة منفصلة عن ارادة الدول الاعضاء، وكل ما تقوم به الجامعة العربية هو انعكاس لمواقف الدول الاعضاء.. وهذه المواقف ليست الآن على ما يرام بسبب حالة التمزق التي ما زالت مسيطرة على الحالة العربية، والخلافات قائمة وليس هناك اتفاق او قوانين وحتى القرارات التي تتخذها القمم العربية فانها لا تنفذ بالكامل بل ان كثيراً منها لا ينفذ على الاطلاق واذا اردنا احياء الجامعة العربية وزيادة فاعليتها فان ذلك لن يكون بالامين العام للجامعة العربية ولا بمجموعة الموظفين وانما يكون بالارادة السياسية للدول العربية، لو ارادت الدول العربية تنشيط الجامعة العربية فانها تستطيع تحقيق ذلك اليوم قبل الغد.. ومن هناك فأنا لا ألوم احداً ولكنني اناشد القادة العرب ان ينتبهوا إلى المخاطر المحيطة بامتنا والتي تهددها دون استثناء. واذا كانت العراق وفلسيطن اليوم فلا احد يعرف على من ستدور الدائرة غداً. التمزق العربي الدكتور حمدي يوسف باشا عضو الاتحاد العالمي للاوزون والمستشار الطبي برئاسة الجمهورية يقول: عندما نسأل انفسنا اين الجامعة العربية فان هذا يأتي من منطلق هدف تأسيسها لتحقيق المشاركة الاقتصادية والتوافق السياسي بين الدول العربية بجانب التعاون في كافة المجالات التي تهم المواطن العربي.. ورغم ان تاريخ انشاء وتأسيس الجامعة سابق العهد بالنسبة لتكوين الاتحاد الاوروبي الا ان الدول الاوروبية استطاعت ان تحقق معادلة التماسك بين اقطاب متضادة.. بينما العرب بما لديهم من وحدة مقومات نجدهم ممزقين وكل دولة منكبة على نفسها تبحث عن مصلحتها وتظن انها بمعزل عن غيرها.. وعندما ننظر اليها نجد ان المعلن جميل اما الذي خلف الكواليس فعكس ذلك مما جعلهم لقمة سائغة للعدو الخارجي.. وما كان لامريكا ان تتمكن لولا حالة التمزق التي عليها كل الدول العربية.. ولو لم تقم امريكا بضرب العراق فيكفيها انها استباحت هذا لنفسها. هذا هو واقع الحال العربي.. الذي يبحث البعض منه على تعليق اخطاء ضعف النظام العربي بشخص الامين العام.. فالطبيعي ان اداء الجامعة العربية يأتي انعكاساً للسياسات العربية وليس انعكاساً لشخص او مجموعة من الاشخاص الاداريين بالجامعة. ضغوط داخلية وخارجية السفير احمد الغمراوي خبير الشئون السياسية المصري يقول: برغم كل ما يقال من اتهامات للجامعة العربية فانني ارى انها بريئة منها.. ولكن لا بد ان يدرك القادة العرب ان الجامعة وسيلة فعالة في تحقيق ودعم الادارة العربية فهي آلية مهمة في يد الرؤساء والقادة والملوك العرب ويمكن ان تستخدم استخداماً جيداً بشكل يؤكد الموقف العربي ودعم الارادة، وبمعنى آخر فان الجامعة العربية تستطيع ان تكون معبرة عن ارادة العرب مما يكون له الاثر الكبير في تدعيم الوحدة والتضامن العربي. ولكن للاسف فان الجامعة العربية تواجه حالياً مشكلات كبيرة تعرقل دورها في القيام بدورها في مواجهة التحديات التي تواجه الامة العربية. ان العديد من الاتفاقيات والمواثيق التي تمخضت عن ميثاق الجامعة العربية لم تجد طريها إلى النور وهذا كان بداية لضعف موقف الجامعة العربية، فلا يعقل مثلاً ان التعاون الاقتصادي العربي والتبادل التجاري لا يمثل سوى 8% فقط من حجم التجارة العربية مع العالم، وبالتالي لم يستطع العرب تحقيق حلم التكامل الذي هو اول صورة لوحدتهم وتضامنهم، وقد حرصت قوى خارجية كثيرة وبل وعملت على عدم تحقيق هذا التكامل خاصة القوى التي تسيطر على الاسواق العربية وتحتكر التجارة العربية.. وقد ظلت الجامعة العربية غير قادرة على تحقيق ذلك نتيجة قيام هذه الدول بمحاربة الجامعة العربية وبمساعدة من بعض الاعضاء في الداخل. والجامعة العربية ليس لديها جهاز اعلامي وليس لديها صحيفة وكان من المفترض ان تكون لديها مثل هذه الاجهزة التي تخاطب الرأي العام العالمي والعربي وتستطيع من خلال ذلك تكوين اجماع فكري وشرح للقضايا العربية والحصول على مساندة الرأي العام العربي وفي الوضع الراهن فان الجامعة العربية لا تعمل للجماهير العربية بل هي جامعة حكومات ودورها الحالي عبارة عن محاولة التحرك بفكر جديد يضمن الحد الادنى من الاجماع العربي وهو مهم ولكن يجب ان يخطط مستقبلاً لان يكون لديها نظام للتعاون مع المؤسسات غير الحكومية التي تقاس بها الحضارة والتي بدأت تنتشر بالدول العربية وكذلك دعم تعاونها مع مراكز الابحاث وهذه المراكز يجب ان تكون الجامعة العربية على علاقة وثيقة بها من اجل تنسيق المواقف ودعم القضايا العربية باعتبار ان هذه المؤسسات وسيلة للضغط على الحكومات. منهج واحد الدكتور محمد عبدالسلام الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية يقول: اذا نظرنا إلى واقع الامة العربية في الوقت الراهن واجهتنا مشكلة في تقييم وضع الجامعة العربية ورغم ذلك فان قراءة امينة للتطورات والاحداث الدولية ومعطيات السياسية الدولية تؤكد ان العرب في حاجة اليوم إلى جامعة عربية قوية تجسد الارادة العربية في مواجهة التحديات المحدقة بالامة العربية فاذا وجدت مثل هذه الجامعة القوية فسوف يكون للدول العربية صوت قوي يعبر عنهم. وهنا يتوجب القول بضرورة ان يتفق العرب على نهج موحد في التعامل مع القضايا القومية العربية، وبالتالي فان الجامعة العربية ستكون انعكاساً طبيعياً لهذا النهج اما اذا تشتت الآراء وتضاربت المصالح فلن تقوم للجامعة العربية قائمة وسوف تكون تجسيداً حياً لحالة الضعف والترهل للامة العربية. استراتيجية واضحة الدكتور مصطفى علوي وكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة يقول:ان العرب بحاجة إلى استراتيجية واضحة المعالم تستند إلى خطط علمية مدروسة من اجل اعادة بناء النفس برؤية شاملة للقضايا والامور حينئذ يستقيم وضع الجامعة العربية ويقوى دورها. واذا كانت الجامعة قد عجزت خلال السنوات الماضية في مواجهة عدد من القضايا والمشكلات التي واجهت الامة العربية سواء داخلياً او خارجياً فهي لانها تمثل حكومات عربية لها توجهات مختلفة ولا يحكمها مبدأ وحدة الصف كما ان هناك قوى خارجية تحاول اضعاف دور الجامعة العربية حتى تظل ضعيفة لا يمكن ان تتخذ قراراً يجمع عليه العرب، وان هذه القوى لها مصلحة في استمرار وضع الجامعة العربية ضعيفاً لا حول له ولا قوة. ان الجامعة العربية بوضعها الراهن لا تستطيع القيام بدور فاعل لانها مقيدة بتوجهات وارادتها متفرقة بين مجموعة ارادات كل منها يجذبها إلى ناحية اخرى بسبب غياب استراتيجية عربية موحدة وعدم وجود رؤية مشتركة للقضايا والموضوعات التي تهم الامة العربية والتي تمس مصالحها القومية العليا. وبالتالي فان الامة في حاجة اليوم إلى اعادة صياغة استراتيجية قومية مشتركة يتفق عليها الجميع هدفها الحفاظ على المصالح العربية العليا ودعم وحدة الصف وقبل ذلك تحقيق مصالحة عربية عربية تقوي الجامعة العربية وتقوي مؤسساتها في مواجهة الاخطار والدفاع عن المصالح العربية العليا. الواقع العربي الحالي في حاجة إلى تفعيل وفي مقدمة ذلك تحقيق فكرة السوق العربية المشتركة التي ستكون نواة لوحدة العرب ووحدة توجهاتهم. الجامعة العربية.. أم.. ؟!